الجمعة، 29 نوفمبر 2019

في الفرق الدّقيق بين الشّهيد والضّحيّة



مادونا عسكر/ لبنان
كلّ زمن عبر ويعبر وسيأتي، يحمل في طيّاته آلاماً جمّة وجروحاً تحفر في النّفوس. وقد يتناسى الإنسان جروحه، إلّا أنّها تبقى في عمق العمق أثراً بالغاً يستيقظ كلّما تداعت الظّروف وتحرّكت السّياسات واندلعت الحروب وحلّ الموت وحصد آلاف الأرواح. قد يموت النّاس  دفاعاً عن الوطن، أو عن قضيّة سياسيّة أو حزبيّة أو دينيّة. وفي شتّى الأحوال ثمّة التباس حول اعتبار هؤلاء الأشخاص شهداء أم ضحايا. ولعلّنا نخلط بين مفهوم الضّحيّة ومفهوم الشّهيد. والفرق بينهما شاسع ودقيق، ولا يجوز استغلال مبدأ الشّهادة كلّما توفّي شخص في حالة حرب أو اشتباك أو تصفية حسابات سياسيّة أو حزبيّة أو فرديّة. كما لا يجوز استغلال مبدأ الشّهادة إعلاميّاً لخلق جوّ من التّشنّج وتعزيز التّحريض لإثارة للغرائز.
الشّهيد هو من اختار طوعاً أن يحيا مسيرة حياة توصله إلى الشّهادة. لذلك لا نستطيع أن نطلق على كلّ الّذين يموتون في أوطاننا لقب "شهداء". وبعد الخيار، يأتي القرار الّذي يجعل من مسيرة حياتهم، مسيرة خاصّة جدّاً تتأقلم مع الواقع الّذي آمنوا به، واعتبروه حقيقة مطلقة، وبالتّالي يتناسب القرار مع الخيار الّذي عاشوه. ومن هذا المنطلق، تبدأ مسيرتهم كشهداء، وتطال حياتهم وهم أحياء. هي مسيرة نضال، وسلوك طريق واضح وانطباع خاصّ لما آمنوا به، إلى أن يصلوا لعيش شهادة الدّم. هدف الشّهيد واضح، وهو يعي أنّ الخطّ الّذي اتّبعه يؤدّي به إلى شهادة الدّم، وهو مستعدّ دائماً إلى أن يضحّي حتّى النّهاية، ولو بسفك الدّماء. ويُطلق لقب "شهيد" على من اختار طوعاً ودون أيّ ضغط اجتماعيّ أو دينيّ أو عائليّ، بل بملء إرادته الحرّة أسلوب  حياته. كما يدفع الشّهيد ثمناً باهظاً للوصول إلى هدفه، والثّمن يخصّه وحده، ولا يمكن أن يحمّله لشخص آخر، ممّن يعرفونه أو حتّى يحبّونه من أهله أو أصدقائه أو معارفه .
إذاً، فالشّهيد، يختار مسيرة حياة، ويناضل في سبيل هدف، ويدفع ثمنه بإرادته الحرّة والطّوعيّة. وهذا الثمن بالنّسبة لمن اختار أن يكون في مصاف الشّهداء، يبلغ أقصاه في شهادة الدّم.
إلّا أن ما نراه فعليّاً هو إمّا التباس حول مفهوم الشّهادة، وإمّا استغلال له بهدف التّخدير أو امتصاص النّقمة أو إنعاش الغرائز في سبيل الفتك والانتهاك أو تحويل مسار الأمور. ولو دققنا في الأحداث التّاريخيّة والأحداث الحاليّة وجدنا أنّ قلّة من الضّحايا الّتي هلكت في الحروب والنّزاعات والصّراعات، شهداء. وأمّا الأغلبيّة فضحايا استُغلّوا وماتوا دون أن يكون هدفهم الموت.
فالضّحايا هم الّذين يدفعون ثمن أهداف غيرهم، ويموتون دون أن يختاروا ذلك، وهم أبعد ما يكون عن هذه الأهداف. فهؤلاء الّذين يلقون مصرعهم في انفجار أو في حادث إرهابيّ، هم ضحايا، لأنّهم لم يختاروا طوعاً أن يموتوا. لذا فالإنسان الضّحيّة يعيش الظّلم والقهر، وبالتّالي يدفع ثمن ما لم يختره وما لم يقرّره، وذنبه الوحيد أنّه أُقحم في لعبة الموت. هناك آخر قام عنه بخيار معيّن وقرّر، وبالتّالي يُسفك دمه دون هدف.
والضّحيّة شخص مجرّد من كلّ قرار، ويوظّف طاقته وقوّته كي يستمرّ بالرّغم من كلّ القرارات الّتي أُخذت عنه في سبيل أن تجعل منه ضحيّة. كما أنّه مجرّد من كلّ هدف إلّا هدف البقاء. فالضّحيّة تصارع البقاء وتناضل من أجل البقاء حيّة راجيةً تحقيق أهدافها على شتّى أنواعها. وهي لا تسعى وإن في ظلّ الصّراعات والنّزاعات إلى الموت.
الموت هو الموت، لا يفرّق بين إنسان وآخر. والأهم من الطّريقة الّتي يموت فيها الإنسان هو أسلوب الحياة الّتي يحياها. ولا بدّ من القول إنّ الموت في سبيل قضيّة ساميّة أسمى ما في الوجود، لكنّ الأهم هو السّلوك الحياتيّ لتحقيق هذه القضيّة. فالّذين يرحلون يتركون آثارهم مضاءة في الذّاكرة، وقد تتلاشى الذّاكرة مع الضغوطات الحياتيّة والانهماكات اليوميّة. وقد تنتعش ليخرج الفاشيّ من جسد الضّحيّة، كما يقول محمود درويش. إنّها الدّائرة المقفلة، دائرة العالم الغارق في الأنانيّة والاستغلال والصّراعات.
الّذين يرحلون، شهداء كانوا أم ضحايا يمضون إلى عالم أفضل من عالمنا التّعيس. والإنسان كائن مقدّس، وإن اختار الشّهادة فطوبى له، فما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه. وإن لم يختر وسقط وروت دماؤه الأرض، فدماؤه مقدّسة لأنّها دماء أريقت بفعل سطوة القهر والظّلم والانتهاك.

الجمعة، 22 نوفمبر 2019

تجلّيات صوفيّة الجسد والروح/ قراءة في قصيدة للشّاعر الفلسطيني فراس حج محمد




مادونا عسكر/ لبنان
- النّصّ:
صباحك شهوة القبلِ
أضيئي الكون واغتسلي
ومدّي لي يديك رضاً
فإن مداهما جُملي
حبيبة قلبي الأسنى
شفاهك لثمة العسل
أحبّك كلما انتبهت
عقائد قلبي الثّملِ
قصائدنا الهوى لغةٌ
معرّفة بلا خجل
تجلَّيْ يا أمان اللهِ
واروي الطّيف في مقلي
- القراءة:
يدور هذا النّصّ البديع في فلك النّور حيث النّشوة المترامية في كون الشّاعر العشقيّ، حيث تمتزج عناصر النّور (الصّباح/ الأسنى) بشخصه وبشخص الحبيبة، فيبرز الكون العشقيّ النّورانيّ الّذي تتجلّى فيه الحبيبة  إلهة تمنح الشّاعر الحياة/ النّور. وإذ يستهلّ البيت الأوّل بلفظ الصّباح والشّهوة والقبل، يحدّد مسار كونه الشّعريّ النّورانيّ المرتبط جذريّاً بالحبيبة (صباحكِ). وكأنّي بها مصدر النّور الّذي من خلاله يطلّ على العالم. ويبدو لفظ (صباحك) خاصّ بها، فهو لا يرنو إلى صباح هذا العالم، وإنّما إلى صباح مختلف، صباح المحبوبة الإلهة الّتي تشرق في عالمه وتحوّله إلى عالم خاصّ يحيا فيه الشّاعر. وارتباط صباحها بشهوة القبل يبيّن صوفيّة الشّاعر المرتبطة بالجسد والرّوح معاً، ما يدلّ على توجّهه بكلّه إلى كلّها. وهنا يبرز المفهوم الآخر للصّوفيّة الدّال على انشغال الشّاعر بأعلى الدّائرة الإنسانيّة حيث الجمال والنّور والحبّ، فيرتقي بالمحسوس عن المحسوس ويتدرّج من الشّهوة الحسّيّة إلى الشّهوة المقدّسة ومن القبلة الحسّيّة إلى القبلة المقدّسة.
تبدو الشّهوة مقدّسة بفعل حضور المرأة الإلهة الّتي يتقدّس بها الشّاعر الّتي يتضرّع إليها، إن جاز التّعبير، حين يقول (أضيئي الكون واغتسلي). في فعل الأمر (أضيئي) استدعاء للمرأة النّور الّتي بيدها حجب النّور أو إظهاره وكشفه. ثمّ يضيف (واغتسلي) كمعطوف على (أضيئي) مرتبط بالشّهوة. لكنّ فعل الاغتسال هنا متلازم والنّور الّذي منه تُستَمدُّ الشّهوة وإليه ترنو. ولعلّها إشارة من الشّاعر إلى صوفيّة العلاقة الجسديّة كفعل حبّ نورانيّ ينطلق من الحسّ ليخلص إلى اللّاحسّ في دائرة النّور. ومن مظاهر ذلك الاتّحاد، اتّحاد اللّغة بين الشّاعر والمحبوبة، كما يبدو في قوله:
ومدّي لي يديك رضاً
فإن مداهما جُملي
ففي اليدين اللّتين تبعثان الرّضا تمدّد الشّاعر في الكون وترسيخ للغته (فإن مداهما جملي). هو يصوغ قصائده بها وهي قالبها وقلبها من جهة. وهو المتّحد بها يشكّل الوحي الشّعريّ ويترجمه حسّيّاً بلغة الجسد المعبّر عن الحبّ ويرتقي به ومعه إلى اتّحاد الرّوح فيخلق القصيدة. ولمّا وُجدت القصيدة حلّت فيها لغة الحبّ فكان الحبّ هو القصيدة وكان الجسد والرّوح عنصرين لا ينفصلان في كونيّة الشّاعر.
وليست اليدان وحدها من يكون دليلا ومشاركا في هذه العلاقة، فالشّفاه كذلك وسيلة لنطق اللّغة الخارجة من القلب الّتي منها يستقي الشّاعر وحيه الكامن في قلبه المتيقّظ أبداً بفعل حضور المحبوبة النّور. وإذا أشار الشّاعر إلى ثمالة القلب فليعبّر عن نشوة النّور العارمة الّتي تفيض بتجدّد واستمرار:
حبيبة قلبي الأسنى
شفاهك لثمة العسل
أحبّك كلما انتبهت
عقائد قلبي الثّملِ
قصائدنا الهوى لغةٌ
معرّفة بلا خجل
إذ يوحي هذان البيتان بعري داخليّ بين الحبيب والمحبوبة يقودهما إلى الاتّحاد الكامل ضمناً. ولعلّه أعظم من اتّحاد بالمعنى الحصريّ للغة، وأعمق من وحدة الرّوح والجسد. إنّه المعنى العذب الّذي عبّر عنه جلال الدّين الرّومي قائلاً: "في كلّ ما قد تعرفه يبقى العشق وحده لا متناهياً". فقصائد الشّاعر المعرّفة بلا خجل قصائد عشقيّة لا ينضب وحيها؛ لأنّها نابعة من نقاء لامتناهٍ، وصفاء غير محدود يصبّ في قلب العشق، قلب الله، وصولا إلى قوله:
تجلَّيْ يا أمان اللهِ
واروي الطّيف في مقلي
"المرأة هي إشعاع النور الإلهي." (جلال الدّين الرّومي)، والمرأة عند الشّاعر نور الله وأمانه. وبفعل الاتّحاد العشقيّ يمسيان معاً إشعاع النّور. ولا يكون العشق عشقاً ما لم يقد العاشقين إلى الله. ولا يكون العاشق عاشقاً ما لم يرَ في معشوقه نور الله، وما لم يمتزج بهذا النّور ليسير به ومعه نحوه. إنّ الارتواء الحقيقيّ يكمن في ذلك الماء الّذي إذا ما ارتوى منه العاشق لا يعطش أبداً. ومن عمق الارتواء يتفجّر الشّوق الظّامئ إلى مزيد من الارتواء. فمن يغرق في النّور لا يرتضي الخلاص أبداً.


الجمعة، 1 نوفمبر 2019

الثّورة لا تصنعها العواطف الجيّاشة والحماس العنيد



مادونا عسكر/ لبنان
كلّنا فاسدون ونستحقّ المحاسبة والمحاكمة من قمّة الهرم إلى أسفله، من الطّفل الّذي لم يولد بعد، لكنّه يحمل جينات الفساد، إلى الشّاب المفعم بالحياة المنطلق نحو الحرّيّة دون وعي، إلى الشّيخ المضمّخ بذاكرة الحروب  والانقسامات وتخلّف عن غرز الوعي والاختبار، إلى رجل الدّين السّاكت عن الحقيقة الّذي يجنّد النّاس لتحقيق مآربه وتنفيث حقده، إلى المعلّم الّذي لا يؤدّي واجبه كمعلّم ومربٍّ ويستهتر بجيل كامل ثمّ يطالب بحقوقه، إلى الموظّف الإداري الّذي يقبل الرّشوة ويحتقر المواطن وينتهك كرامته من أجل عمليّة إداريّة بسيطة، إلى العامل البسيط والآخر المتخصّص، إلى الشّرطيّ المرتشي، إلى الّذين يدّعون الثّقافة وينشرون الغباء والتّفاهة والسّطحيّة، إلى الإعلام مقتنص الفرص الّذي يصحو فجأة على حرّيّة التّعبير بقدر ما يناسبه الواقع، إلى النّاخب المرتشي بحجة الجوع والفقر، إلى النّاخب الطّامح بالحصول على جنسيّة، إلى عبّاد الزّعماء المنجرّين كالغنم في قضيّة واهمة، إلى مدّعي كسر الحواجز الطّائفيّة المتربّصة بدمهم، إلى الغارقين حدّ الموت بالجهل والجلوس في المقاهي ينظّرون ويتبجّحون كلّما التقطوا جملة من هنا وهناك، إلى مدّعي الإيمان الّذين يكذبون على أنفسهم، إلى المتملّقين الّذين يحدّثوننا عن حرّيّة الرّأي والتّعبير، إلى المتحايلين على القانون وهم ذاتهم يطالبون بالقوانين، إلى المسؤولين المسعورين الّذين لم يهبطوا من الفضاء، بل أولئك الخارجون من النّاس إلى النّاس، إلى شعب صحا فجأة على المطالبة بالحقّ والحرّيّة والتّغيير وأرادها في الشّارع.
الشّارع وسيلة، وعندما يصبح غاية حوّل المجتمع بأكمله إلى فوضى مدمّرة يستفيد منها كلّ فاسد. الشّارع العنيد الّذي بنفسه أوقد المهرجانات الانتخابيّة وناضل من أجل أن يبقي زعيمه لأنّه يحقّق له مصالحه. الشّارع الّذي هو حقّ للجميع بحكم "حرّيّة التّعبير"، ويسمح لأيّ كان أن يستغل الظّروف ويحقّق شرّه، ويستعيد أمجاد الحربّ ويقف عند تقاطع الطّرقات ليمارس بشاعة قديمة دفينة في نفسه. الشّارع وسيلة لا أكثر، وعندما يصبح مترعاً بالنّاس بحجّة استرداد الوطن يمسي مغارة يأوي إليها اللّصوص. وغالب الظّنّ أنّ اللّصوص بيننا في ساحات الفوضى.
ثمّة خيط رفيع بين المطالبة بالحقّ ومصادرة حقّ الآخر، وخيط رفيع بين المطالبة بالحقّ والاتّجاه نحو الفوضى، بين أن تتظاهر وتحتجّ وتصادر الرّأي الآخر وتنتهك كرامته، بين الصّراخ والتّعبير عن الذّات. لا يمكن لشعب غارق في الجهل السّياسي أن يستفيق فجأة على الوعي به.  ولا تستفيق الحكمة في مدّة زمنيّة قصيرة. فالحكمة مسيرة وعي طويلة يبنيها كلّ أفراد المجتمع.  
الحقيقة في التّفاصيل الّتي لا نراها أو لا نريد أن نراها، في الطّيش المستشري وعدم الدّقة وملاحظة ما يتسرّب خلسةً. الصّورة جميلة ومبهرة  لكنّها لا تدلّ على التّحضّر؛ لأنّ التّحضّر يكمن  في الوعي والشّعوب لا ترتقي إلّا بالوعي وبمقوّمات الجمال. والوعي هو غير النّهوض من النّوم؛ إنّه البناء المتمدّد بأساساته الصّلبة في عمق الأرض والمرتفع المحلّق بقوّة العقل وضبط النّفس. التّسامح المفرط جميل، لكنّه تسامح يترادف ومبدأ غضّ النّظر إلى حين.
 أن تكون مثقّفاً لا يعني أنّك تختزن المعلومات وتعيد إنتاجها وتعبّر عنها في الإعلام. أن تكون مثقّفاً يعني أن تعي ما تقول أوّلاً، وتحدّد مقدّمات لنتائج وتسعى لتحقيق الأهداف بالفعل لا بالقول والصّراخ في الشّوارع. أن تخطّط بصمت، وتركّز على ما يدور حولك وتتعمّق في التّحليل لا أن تجترّ ما يقوله فلان وعلّان.  
أن تكون مواطناً حقيقيّاً يعني ألّا تدوس على أخيك المواطن وتنتهك كرامته لأنّك "ثائر". أن تدرك أنّ الوطن ليس مجموعة شعارات وهتافات، وإنّما عمل دؤوب وجدّ واجتهاد وبناء للفكر، لتحارب بالفكر لا بالغريزة. أن تفهم أنّ الوطن ليس مقهىً تثرثر فيه تحت غطاء النّدوات والاجتماعات المعزّزة للوعي. لماذا لم تُقَم هذه النّدوات في الجامعات والمدارس لدرء خطر الجهل والنّفاق والظّلاميّة؟ لماذا لم يُبنَ الوعي لعقود طويلة لبناء مجتمع أفضل لا يوصل أشباه مسؤولين؟ أين كان الواعون المثقّفون الوطنيّون؟ ونتساءل: ما الّذي أيقظ هذا الشّارع؟ ومن يحقّ له أن يتظاهر ويحتجّ ويعترض؟ وما هي نسبة المطالبين الصّادقين؟
كلّنا فاسدون؛ أمام الضّمير الحيّ الّذي يتهجّى الوضوح والحقيقة. أمام العقل المدمّر الّتي تظهره الحقيقة الكامنة في التّفاصيل. أمام الكبت المتفجّر والتّخوين الّذي يهدّد العقلاء. أمام الوقت الضّائع هباءً الّذي سينتج جيلاً عقيماً، لأنّ الثّورة أوّلاً وأخيراً ثورة العقل والفكر، والتّغيير تقوم به النّخبة لا العوام. وعلى مرّ التّاريخ نشهد للتّغيير على أيدي الأفراد العاقلة النّقيّة الّتي حدّدت أهدافها وحقّقتها بجهد وجدّ.
كلّنا فاسدون ونستحقّ المحاكمة؛ فمن يجرؤ على محاسبة نفسه والوقوف أمام ضميره وأمام نفسه ويتبيّن أنّ الوضع الرّاهن يحتاج للعقل، وللعقل فقط، لا للعواطف الجيّاشة والحماس العنيد والصّراخ الّذي يصمّ الآذان ولا يسمح للعقل أن يتصرّف؟
من أراد التّغيير فليبدأ بنفسه أوّلاً.