‏إظهار الرسائل ذات التسميات خاص صحيفة المثقّف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خاص صحيفة المثقّف. إظهار كافة الرسائل

السبت، 18 فبراير 2017

عشر سنوات من الرصانة والاتزان في رحاب "المثقف"

مادونا عسكر/ لبنان

يرتكز نجاح الإعلام في رسالته على التّنوّع الفكري والثّقافي، وعلى مدى استيعابه للأفكار المتجدّدة واحترامها بغضّ النّظر عن تبنّيها أو لا،  كي يبلغ هدفه في بناء الحضارة الثّقافيّة. كما أنّ الإعلام النّاجح يعتمد على الرّصانة واحترام القارئ من جهة كيفيّة عرض المادّة واستخدامها في سبيل الاستنارة العقليّة، ومحاربة الجهل. ويزدهر الفكر الإعلامي بجسده المؤلّف من أعضاء يتكاملون من خلال عرض أعمالهم الإبداعيّة فيظهر الإبداع الجماعيّ دون أن يمسّ بإبداع الفرد. وبالتّالي تنشأ وحدة مشروع ثقافيّ في الجسم الواحد، تتشعّب  مواضيعه وإنجازاته لتطال المجتمع بأكلمه، فيغتني ويتطوّر وينمو.
ولمّا كانت صحيفة المثقّف رائدة في احتضان الفكر، واحترام تنوّعه، استحقّت حضورها الرّاقي  في الوسط الأدبي، وارتقت إلى مستوى الحصافة والرّزانة ما جعل منها ملتقىً لأدباء وكتّاب ذي رصانة واتّزان فكريّ وأدبيّ. وما أشعرنا بالاعتزاز والفخر كوننا ننتمي إلى هذه المؤسّسة الرّاقية.
ما تقدّمه صحيفة المثقّف من مواضيع شتّى وأبواب مختلفة لكتّاب من مختلف الجنسيّات والانتماءات، أعطاها امتياز الفكر الحرّ والمنفتح الّذي يمنح القارئ آفاقاً واسعة، تسهم في استنارة العقل، وسموّ المنطق، وارتقاء النّفس.
لقد شكّل الرقم ( 10) في العالم القديم رمزاً للكمال، إذ جمع بين العالم السّماويّ والعالم الأرضي. ولعلّ السّنة العاشرة لتأسيس صحيفة المثقّف تمهّد لمزيد من التّقدّم والازدهار، وتؤسّس لحضارة أدبيّة وثقافيّة تبني من خلالها مستقبلاً أفضل لأجيال تتوق إلى المعرفة. فإلى سنين عديدة من التّقدّم والاستمراريّة والنّجاح، راجين لكم الصّدارة والرّيادة دائماً.



المرأة كائن مقدّس


مادونا عسكر/ لبنان
إذا كان الحديث عن استمراريّة المرأة في بحثها ونضالها من أجل حقوقها البديهيّة في شرقنا المسكين معيباً، فكيف إذا تكلّمنا عن سبيٍ للنّساء في عصر أقلّ ما يقال فيه أنّه عصر الانحطاط. وفي ظلّ صمت لا أخلاقيّ سواء أكان من الطّبقة الدّينيّة المعنيّة ببذل قصارى الجهود للحؤول دون حدوث هذه الجريمة، أم من المؤسّسات المعنيّة بحقوق الإنسان والمرأة، تبقى بضع كلمات متواضعة تحاول الإسهام في نشر الوعي قدر الإمكان كي لا يشهد مستقبل أبنائنا عاراً كالّذي نعيشه اليوم.
وبغض النّظر عن تاريخيّة سبي النّساء وعمّا إذا كان هذا الموضوع يرتكز على نصوص دينيّة وفذلكات تفنّد بنود الشّريعة وتجتهد لفرض قناعة ما خلاصتها أنّ السّبي تشربع إلهي يصبّ في مصلحة المرأة. ينبغي أن نبحث جدّياً في الأسباب الّتي تمنح الإنسان هذه القدرة على استضعاف المرأة واعتبارها مجرّد سلعة يمتلكها متى يشاء، ويعتدي عليها وعلى كرامتها الإنسانيّة نصرة للحق!
الأسباب عديدة وتنقسم بين مباشرة وغير مباشرة، وتساعدنا على فهم تقريبيّ لطريقة تفكير مجموعة من اللّصوص والمجرمين نثرتهم في شرقنا يد لعينة، ومنحتهم سلطة مطلقة ولو إلى حين، فأطلقوا العنان لوحشيّتهم وظلاميّة نفوسهم. فتسرّبوا كالوباء وأطاحوا بالأخلاقيّات والقيم وتطاولوا على الله باستعبادهم وقتلهم للإنسان. ومن الأسباب المباشرة الّتي توقظ الوحش فينا وتنمّيه وتطلقه في المجتمعات هي تلك الأساليب التّربويّة المقيتة الّتي تدعو إلى اعتبار المرأة كائنا ضعيفا ومنحطا، لا ينفع إلّا للخدمة. والتّي تعتبر المرأة مجرّد آلة للاستمتاع وإشباع رغبات الرّجل. فالتّربية أساس كلّ سلوك إنسانيّ وهي الّتي ترسّخ في داخله معتقدات ومفاهيم إمّا تساهم في بنيانه وبالتّالي بناء المجتمع وإمّا في تدميره وبالتّالي تدمير كلّ كيان إنسانيّ في المجتمع.
وهذا النّوع من التّربية شائع في مجتمعنا العربي سيّما أنّه مدعّم بالشّروحات الدّينية الّتي تارّة تتحدّث عن تكريم المرأة وطوراً عن تحجيمها وانتهاك كرامتها الإنسانيّة وإن بقالب دينيّ منمّق ولطيف يصبّ في مصلحتها والحرص على دخولها الجنّة!
وأمّا الهدف الأساسي من هذا المقال، فهو البحث عن حلول أو بمعنى أصح، تسليط الضّوء على سلبيّات عدّة إن تمّت معالجتها ساعدنا الأجيال المقبلة على احترام المرأة ككائن مخلوق على صورة الله ومثاله، وحافظنا عليها كإنسان هو كلّ المجتمع وليس نصفه. فتلك الّتي تحمل في أحشائها الحياة وتموت عن ذاتها لتمنحها للعالم، لا بدّ أنّها كائن مقدّس.
  يمكن الحديث عن ثلاث نقاط أساسيّة تحفظ للمرأة كرامتها الإنسانيّة، وتعزّز قيمتها كفرد فاعل ومثمر في المجتمع.
1- التّربية على أنّ المرأة كائن مقدّس:
المرأة إنسان مخلوق على صورة الله ومثاله وبالتالي فهي تحمل في قيمتها الكرامة والاحترام. ولقد منحها الله أن تعطي الحياة فتحملها في داخلها وتنميها وترعاها من قبل أن تهبها. ثمّ تنقص هي لتنمو هذه الحياة وتثمر. من هنا وجب على المربّين أن يثابروا على نشر هذا الوعي وترسيخه في النّفوس حتّى تتحوّل ثقافة مجتمعاتنا من ثقافة استعباد المرأة واعتبارها درجة ثانية إلى ثقافة احترام كرامة المرأة.
2- تطوير التّربية الدّينيّة:
والكلام عن التّطوير نعني به، إعادة قراءة النّصوص الكتابيّة وإخراجها من قوقعة حرفيّتها. ثمّ استبعاد كلّ نص ديني يشير من قريب أو بعيد إلى انتهاك كرامة المرأة. فسبي النّساء ارتكز على نصوص دينيّة، أضف العظات الدّينيّة المحرّضة على هذا الأمر. فرجال الدّين بأغلبيّتهم يتصرّفون بحسب خوفهم على ذكوريّتهم وسلطتهم الذّكوريّة. وبعضهم يخاف أن يناقش هذا الأمر كي لا يقع في المحظور ويهين الإله!...
3- حماية المرأة:

لن نناشد منظمة حقوق الإنسان أو حقوق المرأة، أو المنظّمات المعنية بحماية حقوقها لأنّه اتّضح أنّها بدعة كبيرة لا تجيد غير الكلام. ولن نعوّل كثيراً على الطّبقة الدّينيّة التي تتحفنا بعظات الخوف من فتنة المرأة لأنّها لا ترى  فيها إلّا هيكلها الخارجيّ. وإنّما نشدّد على التّربية الوالدية القائمة على احترام المرأة كإنسان وتشجيعها على الاستقلاليّة وتحفيز ثقتها بنفسها حتّى إذا ما خرجت إلى المجتمع قويّة وواثقة من نفسها ساهمت في تطوير هذا المجتمع وبنائه كما ينبغي للمجتمعات والأوطان أن تبنى. وأعدّت بنفسها قوانين ترعى حقوقها وتحمي شؤونها وتحفظ كرامتها. 

http://www.almothaqaf.com/alias-woman-day-4/890688.html

المرأة والعمل السّياسيّ


مادونا عسكر/لبنان
تواجه المرأة اليوم في ظلّ التّغييرات السّياسيّة المحيطة بنا، تحدّيات جمّة تحول بينها وبين الانخراط في العمل السّياسيّ. ولعلّه من المؤسف والمحزن التّحدّث عن عراقيل وعوائق تحول بينها وبين حقّها في ممارسة هذا العمل، إذ إنّها وبعد مثابرتها الدّؤوبة على نيل حقوقها، ما زالت تعاني من تهميش كبير إن على المستوى الاجتماعيّ أو والفكريّ أو والسّياسيّ. ولئن كانت بعض دولنا في المجتمع العربي قد أتاحت للمرأة خوض غمار العمل الاجتماعيّ ورفعت من شأنها معتبرة إيّاها النّصف الثّاني الفعّال في المجتمع،  فإنّ البعض الآخر ما زال يهمّشها، بل ويعود بها إلى عصور مقيتة اعتُبرت فيها المرأة مجرّد خادمة أو جارية، لا تصلح إلّا للخدمة والمتعة. وعلى الرّغم من إقرار البعض بحقّها الإنسانيّ في إبراز طاقاتها الفكريّة والعلميّة، فإنّها ما برحت تناضل في سبيل الحفاظ على هذا الحقّ وترزح تحت نير الجهل والاستعباد، وتشهد غالباً صراعاً ضدّ المجتمع الذّكوريّ الّذي يخاف  فقدان سلطته إذا ما وصلت المرأة إلى تحقيق جميع أهدافها.
لقد أتاحت الثّورات الّتي مرّ بها عالمنا العربي مجالاً للمرأة لتثور هي أيضاً وتخرج من تقوقعها وتعبّر عن مطالبها وآرائها، ولكن ما لبثت أن عادت لتواجه وباء الحركات الدّينيّة المتشدّدة الّذي يكاد يعيدها إلى عصور الجاهليّة، وبالتّالي إلى نقطة الصّفر في البحث عن حرّيتها والمناضلة في سبيل الحصول على حقوقها. بالأمس ناضلت المرأة في سبيل تحقيق بعض من أهدافها، واليوم هي بصدد مقاومة من ينوي  انتزاع حقوقها منها. ولذلك فإنّ التّحدّيات كثيرة، ولعلّ أهمّ ما تسعى إليه المرأة اليوم هو انخراطها في العمل السّياسيّ.
إنّ العمل السّياسيّ بكلّ ما يتطلّبه من حكمة ودراية ومعرفة وثقافة وجهد، ليس حكراً على الرّجل وحده،  فالمرأة اليوم قطعت شوطاً كبيراً يمكّنها من دخول المعترك السّياسيّ، والولوج في القضايا الّتي تتطلّب الكثير من الرّويّة والحكمة. وفي عالمنا العربيّ سيّدات مفكّرات ومثقّفات، يستطعن أن يبدّلن ملامح أوطاننا الرّازحة تحت نير الجهل والعنصريّة والتقوقع، إلّا أنّ المرأة بشكل عام ما زالت بحاجة إلى التّثقيف والدّعم والمساندة. وإذا انتظرت من الرّجل فيما مضى أن يدعمها ويحرّرها ويطلقها في المجتمع كإنسان، لها حقّ مقدّس في التعبير عن ذاتها وتحقيق أهدافها،  فيجب اليوم ألا تنتظر منه ذلك. فهي، وبعد مثابرتها الطّويلة على الانخراط في المجتمع بشكل فعّال، عليها أن تلتزم  جدّياً بتثقيف ذاتها وتأهيلها لتولّي المهامّ السياسيّة زعيمة ومسؤولة في أعلى مراكز السّلطة والقرار...
ترتكز هذه المساندة على عدّة عوامل تمكّن المرأة من خوض الغمار السّياسيّ بثقة متحمّلة مسؤوليّة قراراتها. أهمّ هذه العوامل:
- أولاً: العامل التّربويّ:
إنّ التّربية هي نقطة الانطلاق الّتي نبدأ منها حتّى نصل إلى تكوين شخصيّة المرأة وبنائها على أسس متينة تمكّن المرأة من الاندماج في المجتمع، وتحديد أهدافها وممارسة حقوقها وواجباتها. والنّقطة الأهمّ في التّربية والّتي ترتكز عليها كلّ مقوّمات السّلوك السّليم، هي تربية المرأة على أنّها إنسان أوّلاً، وأنّ إنسانيّتها  ذات قيمة تشكّل جزءاً مهمّاً من تقدّم المجتمع وتطويره.
إنّ الوعي الإنسانيّ عند المرأة  بأنّها قيمة هو الّذي يجعلها تتبيّن حقوقها وواجباتها، وهو الّذي يمكّنها من احترام ذاتها كقيمة إنسانيّة فتصقلها وتثقّفها، وبالتّالي متى انخرطت في المجتمع وتبيّنت ثغراته استطاعت أن تعالجها بحكمة واتّزان. كما أنّ وعيها الإنسانيّ يبيّن لها مساواتها مع الرّجل من حيث حقّها السياسيّ والاجتماعيّ. ولا نتكلّم هنا عن مساواة عبثيّة، بل عن حقّ يمنح لها كما يمنح للرّجل دون تمييز. وطبقاً لهذه المساواة لا تشعر المرأة أنّها دون الرّجل منزلة، فتخرج من دائرة الصّراع ضدّه، لأنّ هذا الصّراع  يحول بينها وبين تقدّمها، ويؤخّر نشاطها، ويلهيها عن إنجازات عدّة وعن أهدافها الكبرى.
إنّ التّربية السّليمة تتضمّن بشكل أساسي السّماح للمرأة بالتّعبير عن رأيها واتّخاذ القرار وتحمّل مسؤوليّته،  والسّماح لها باختبار حياتها الإنسانيّة وتوجيهها كي تتكوّن لديها شخصيّة مستقلّة وخبرة حياتيّة تخوّل لها تبيان صوابيّة الأمور.
- ثانياً: العمل التّعليميّ:
إنّ دور المؤسّسات التّعليميّة لا يقتصر على تلقين المناهج وحسب، وإنّما يساهم في صقل شخصيّة الطّالب والطّالبة وزرع القيم والمبادئ الإنسانيّة فيهما، على أن تثمر لاحقاً فكراً مستنيراً وخلّاقاً. ويأتي دور المؤسّسات التّعليميّة في المقام الأوّل في ترسيخ  القيمة الإنسانيّة لدى الطّلاب وتعزيز النظرة إلى  المرأة باعتبارها قيمة إنسانيّة قبل أن تكون قيمة أنثويّة، وبأنّها كيان أساسيّ ذو حقوق وجب احترامها. ويتمثّل دور المؤسسات التعليمية في المقام الثّاني في تغذية المرأة بالمعرفة وتدريبها على التّحليل والاختبار قبل تلقين المعلومات، حتّى تكون قادرة على أن تكون شخصيّة مستقلّة مبدعة ومشاركة في العمل السياسيّ في مختلف الرّتب والمجالات.
إنّها حين تبلغ هذا القدر المطلوب من الوعي السياسيّ والمدنيّ، تصبح جاهزة لاتّخاذ القرارات المناسبة وهي تتولّى المسؤوليات السياسيّة، في إطار التّوازن بين مجتمعها العائليّ والآخر العمليّ، فتكون  مواطنة ذات كفاءة ورصانة، قادرة على تحقيق ذاتها دون أن تغلّب حقّها على واجبها.  واتّخاذ القرار يتطلّب شجاعة وحكمة وتبصّر، خاصّة إذا ما كان بهدف التّغيير، وما لم تتدرّب المرأة على تلك العناصر الثّلاثة فلن تكون مهيّأة لخوض غمار العمل السياسي، ولا أيّ عمل آخر.
إنّ العمل السّياسيّ، خاصّة في وطننا العربي، يحتاج إلى إعادة تأهيل، لأنّه لم يعد يقوم على أهداف سّياسة، أي على مفهوم للسياسة يجعلها  فنّ الممكن، وخدمة للوطن، بل أصبح مقتصراً على الصّفقات والمصالح الشّخصيّة وإثبات النّفوذ. وهذا تحدٍّ آخر يضاف إلى تحدّيات المرأة في العمل السّياسيّ، إذ إنّه ينبغي عليها أن تحمل التّغيير إلى وطنها فتبدّل الوضع القائم، وتعيد للعمل السّياسيّ مقامه الرّفيع والنّبيل.
- ثالثاً: العامل الإعلاميّ:
  الإعلام بما يمثّله من دور عظيم في التّوجيه والإرشاد  وإيصال المعلومات والثّقافات، يبقى مقصّراً بشكل عام في تطوير ثقافة مجتمعاتنا العربيّة وتقدّمها، وذلك لأنّه يتّخذ وجهة سياسيّة معيّنة، كما أنّه بأغلبه موجّه دينياً واجتماعيّاً وفكريّاً، ولم يعد يؤدّي مهامه وأهدافه بشكل شموليّ. وفيما يخصّ توجيه المرأة وتثقيفها، فنكاد لا نشهد إلّا قلّة قليلة جدّاً تجاهد في هذا الموضوع. فإعلامنا بأغلبه يقتصر إمّا على التّوجيه الدّينيّ المتشدّد، وإمّا على التّحريض الطّائفي والمذهبيّ ولا سيّما السّياسيّ، وإمّا على المسلسلات الّتي تنقل لنا واقع مجتمعات لا تمتّ إلينا بصلة. ناهيك عن إلهائنا بالموضة وكيفيّة إجراء عمليّات التّجميل إلى ما هنالك من سخافات لا ترسّخ ثقافة إبداعيّة ولا تعزّز الدّور الأدبيّ والفكريّ والاجتماعيّ للمرأة، كما أنّه ما زال يظهر المرأة كسلعة تجاريّة واستهلاكية. وقد تساهم المرأة في ذلك من خلال مجاراتها في تقديم برامج بعيدة عمّا يسهم في تطوير المرأة بشكل عام وتثقيفها وإرشادها. حتّى وإن وجدت قنوات خاصّة بالمرأة، فهي لا تأتينا إلّا بالشّحيح من المواضيع الثّقافيّة والعلميّة وتكتفي بالبرامج الّتي هي ما دون المستوى المطلوب، إن على المستوى الفكريّ أو الاجتماعيّ أو الثّقافيّ. وحتّى لو توجّهنا إلى العالم الإلكترونيّ ووسائل التّواصل الاجتماعيّ والمواقع الإلكترونيّة فهي أيضاً مطالبة بمقاومة عواصف الجهل والتّعصّب والتّخلّف. كذلك السّعي إلى توجيه المرأة في شتّى المجالات الفكرية والثّقافيّة، وإعادة إحياء ثقافتنا الغنيّة بالأدب والفكر والعلم.
بناء على هذه العوامل الثّلاثة، وانطلاقاً من تأديتها لمهامها الّتي تندرح في إطار التّوعيّة وتعزيز الثّقافة لدى المرأة، سيكون باستطاعة المرأة الانخراط في العمل السّياسيّ من حيث تحديد أهدافها الّتي تصبو إلى التّغيير، ثمّ العمل عليها بشكل جدّيّ وحرّ دون الانزلاق في أفخاخ المصالح السّياسيّة،  مع السّعي للوصول إلى مراكز القرار. والمطلوب  من المرأة كي تتمكّن من إثبات حضورها وفعاليّة عملها، أربعة أمور أساسيّة:
- الأمر الأوّل: ثورة نسائيّة حقيقيّة، والحديث هنا عن ثورة فكريّة وعمليّة، وليس ثورة في الشّارع، فقلّما تأتي ثورة الشّارع بنتائج سليمة. المطلوب ثورة "داخليّة" على المستوى الشّخصيّ والاجتماعي في شتّى الأماكن الّتي تشغلها المرأة. هذه الثّورة الفكريّة والعمليّة ستؤسّس لنهضة تبنى عليها كلّ أهداف المرأة، ومن خلالها وبعد تحقيق الأهداف تتمكّن المرأة من الانخراط في العمل السّياسيّ بهدف الإصلاح وإنقاذ أوطاننا من الحال الّتي بتنا عليها.
- الأمر الثّاني: عدم السّماح بالانزلاق في أفخاخ المهاترات السّياسيّة، واستخدام ورقة حقّ المرأة في خوض المعارك السّياسيّة، كالانتخابات النّيابيّة والنّقابيّة... فكثيراً ما نسمع عمّن يناشدون بحقّ المرأة ويطالبون به في مواسم معيّنة وظروف محدّدة وبعد ذلك يتغاضون عن ذلك إلى أن يأتي موسم جديد.
- الأمر الثّالث: إنهاء الصّراع ضدّ الرّجل، فهو  يعطّل المسيرة نحو الهدف الأساسيّ، وقد يدخلها في متاهات هي بغنىً عنها. وحتّى منافسة الرّجل، فهي تتطلّب مناخاً محدّداً، أي قوانين تشكّل لا رادعا للرّجل  وحسب وإنّما  لترعى حقّ المرأة باعتبارها طرفا أساسيّا في الحياة المدنيّة والسياسيّة، تتمتّع بالحقّ الكامل في ممارسة أيّ نشاط فكريّ أو سياسيّ، وتولّي أيّ  خطّة أو منصب من المناصب العليا في الدّولة.
- الأمر الرّابع:  عدم استجداء حرّيّتها وحقّها من الرّجل. من المهمّ أن نرى كوكبة من الرّجال المثقّفين الّذين يحترمون المرأة كإنسان أوّلاً، ومن الجيّد أن نشهد لهم مشاركة وحثّ المجتمع على  منحها حقّها كاملا  في ممارسة العمل السّياسيّ، إلّا أنّ على المرأة أن تسعى إلى هذا الحقّ وأن تناضل في سبيله بنفسها وبقدراتها الثّقافيّة والفكريّة. فالحرّيّة والحقّ لا يُمنحان وإنّما هما استحقاق يتحصّل عليهما الإنسان بشكل عام من خلال المثابرة وبذل الجهود وإظهار الكفاءة وإثبات الجدارة..
لقد انتظر "فيكتور هوغو" من المرأة أن تنهي الحروب، ونحن اليوم ننتظر من المرأة أن تبدّل معالم أوطاننا الّتي شوّهها الجهل وقلّة الوعي. بل نتطلّع إلى مستقبل زاهر لأوطاننا إذا ما وثقنا بنساء رائدات، وحاملات لمنارة الفكر الحرّ والعقل الواسع الآفاق، وواثقات بأنفسهنّ. فالمرأة كائن يحمل في ذاته طاقة عقليّة وطاقة عاطفيّة معاً، تمكّنها الأولى من إدارة الأمور بحكمة واتّزان، وتشترك الثّانية في ازدهار الحياة برفق ولين، نابذة العنصريّة والتّعصّب والانفراد  بالرّأي والسّلطة.