‏إظهار الرسائل ذات التسميات التّعليم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التّعليم. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 29 مايو 2020

التّعليم بين رسوليّة المعلّم وتفكيريّة الطّالب



مادونا عسكر/ لبنان
يقول جبران خليل جبران: "من علّمني حرفاً كنت له عبداً". ولعلّ الصّحيح أن يقال: "من علّمني كيف أفكّر". فبناء الإنسان بالدّرجة الأولى يفترض تعليمه كيفيّة التّفكير المرافقة بشكل أساسيّ لتعليم الحرف. ولكي يتمكّن الإنسان من سبر أغوار الحرف فلا بدّ من أن يتعلّم كيف يفكّر. ما لا نراه غالباً في مجال التّعليم. فالمعلّم يلقّن الدّرس وحسب دون أن يعلّم الطّالب كيف يفكّر. وكأنّ الطّالب وعاء يسكب فيه المعلّم معلومات ثمّ يطلب من التّلميذ أن يحفظها ثمّ يردّدها في امتحان ما، ليبدأ التعليم وينتهي بين هذين الطّرفين، التلقين والامتحان. ما يسبّب خمولاً للعقل على مستوى إنسانيّة الطّالب، فيتدرّب على التّلقّي بمعزل عن الجدل الذّهني واستفزاز السّؤال لدى الطّالب.
إنّ عمليّة بناء الفكر أشدّ صعوبة من تعليم الحرف، ودور المعلّم بناء الفكر، ولا يقتصر عمله على التّلقين وإلّا لما قلنا إنّ التّعليم رسالة. ولكلّ إنسان فكره، ومن المهمّ الاهتمام بتعليمه كيف يفكّر، وكيف يتلقّى، وكيف يطبّق ما تلقّاه وكيف يستعيده ذهنيّاً. لذلك فأوّل خطوة في التّعليم هي بناء الفكر وتدريبه على منهجيّة التّفكير.
والخطوة الأولى في هذا البناء تبدأ في الفصول حيث ينبغي على المعلّم أن يشرح للطّالب ماهيّة المادة الّتي يتلقّاها ولماذا وجب أن يدرسها مع شرح ولو باختصار عن أهمّيّة هذه المادّة أيّاً كانت. غالباً ما يسأل الطّلاب لماذا نتعلّم هذه المادّة أو تلك؟ وما فائدتها؟ فهو يجتهد في درس هذه المواد بغض النّظر عن أهمّيّتها، ومطلوب منه أن يحصّل أعلى الدّرجات وإلّا كان فاشلاً أو كسولاً. وبالتّالي فأهمّيّة أن يعرف التّلميذ أو الطّالب أهمّيّة المواد الّتي يدرسها وسبب دراستها وهدفها منوط بالمعلّم. فلا يكفي أن ندرّس المادّة بل ينبغي أن نشرح أهمّيتها بمقدّمة بسيطة تساعد التّلميذ على محبّتها ورؤية أهمّيتها على المدى البعيد. يجب أن يعرف التّلميذ لماذا يدرس اللّغة الرّسميّة واللّغة الثّانية والحساب والتّاريخ والجغرافيا والعلوم والرّياضيّات والفلسفة والأدب... وإلّا كيف نحفّز في داخله الرّغبة في التّعلّم، وكيف نطلب منه أن يحبّ مادّة لا يعرف لماذا يدرسها؟ لا ضير في أن يشرح المعلّم للطّالب أهمّيّة التّاريخ ولماذا تجب معرفته ولا بأس بالخروج الذّكيّ عن بعض أكاذيبه ولا بأس بشيء من الخروج عن مضمون المادّة وتعليمه من خلال التّاريخ بناء المستقبل. ولا ضير في أن يعرّف المعلّم أهمّيّة الجغرافيا الّتي صارت في أغلب مناهجنا تاريخاً قديماً وتسليط الضّوء على أهمّيّتها من حيث بناء الحضارة. وبهذه العمليّة نستفزّ ملكات الطّالب من جهة ومن جهة أخرى نوجّهه نحو بناء مستقبله من خلال اختيار المادّة الّتي يريد أن يتخصّص بها.
قد يقول قائل إنّ المناهج المدرسيّة لا تسمح بذلك، والوقت المخصّص لكلّ مادّة لا يتّسع لهذا الشّرح. وأقول إنّ المعلّم الرّسول سيّد الفصل وعليه أن يكون سيّد الوقت وسيّد المنهج. وإذا كانت مناهجنا لا ترتقي إلى مستوى التّعليم المطلوب فمهمّة المعلّم الرّسول أن يجدّد المنهج بما يتاح بدل الشّكوى والخمول والانتظار. فبانتظار تغيير المناهج أو تعديلها ثمّة إنسان يُبنى وسيخرج إلى المجتمع فارغاً فلا نسألنّ بعدُ عن سبب تدهورنا وجهلنا المقيت. وقد يقول قائل إنّ هذه الأمور ترهق المعلّم، وكأنّ المطلوب ما فوق طاقته، إلّا إنّ التّعليم الرّسالة بناء ضخم أساسه معلّم مثقّف يتطلّع إلى أشخاص لا إلى آلات تجترّ الموادّ.

الجمعة، 22 مايو 2020

أثر شخصيّة المعلّم في طلّاب اليوم



مادونا عسكر/ لبنان
مؤلم أن نرى طلّابنا في لبنان فرحون للغاية باقتراح وزير التّربية والتّعليم العالي بإنهاء العام الدّراسي وترفيع الطّلّاب إلى صفوف جديدة. ولا بدّ من أن نتساءل عن سبب أو أسباب سعادة أبنائنا بعدم العودة إلى المدرسة. ولا بدّ من أن نقف قليلاً عند رأيهم في مفهوم التّعليم، هذا إذا كانوا بأغلبهم يدركون هذا المفهوم. لن ألوم الطّلّاب ولعلّهم ليسوا مطالبين بتفسير هذا الرّفض للمدرسة والتّعليم، بل وهذه المنظومة الشّاملة للتّربية والتّعليم. ماذا لو سألنا الطّلاب في لبنان أو في العالم العربي ككلّ عن السّبب الّذي يدفع الإنسان للتّعلّم، وعن مفهومهم للعلم، وعن هدف التّعلّم  ومعايير النّجاح في القطاع التّعليميّ؟ لا أظنّ أنّ الإجابات على هذه الأسئلة المهمّة ستكون مقنعة. فطالما أنّ الطّالب ليس شغوفاً بالعلم ولا يعتبره حاجة ملحّة للنّموّ كما الطّعام والشّراب والهواء، فذاك يعني أنّه إمّا يعتبره من الكماليّات، وإمّا عقاباً عليه أن ينفّذه مع أنّه لم يفعل ما يستوجب هذا العقاب.
لعلّ العلم في مجتمعاتنا مرتبط بالعلامة والعلامة مرتبطة بالشّخصيّة. فنجاح التّلميذ متوقّف على رقم، إمّا يرفعه وإما يحوّله إلى شخص فاشل. كما أنّه مرتبط بمبدأ الامتحان ومفهومه. فغالباً ما يكون مبدأ الامتحان تحدٍّ للطّالب بدل أن يكون اختباراً لمعلوماته. بيد أنّ معايير النّجاح لا تقاس بالأرقام ولا بالامتحان التّحدّي، بل إنّ الرّقم ما هو إلّا نتيجة لاختبار المعلومات ونتيجة للفهم ومنهج التّفكير وطريقة التّلقي. ويسهل الحصول على الرّقم بشكل أو بآخر وإنّما بلوغ الفهم ومنهج التّفكير، فذاك يتطلّب تحويل التّعليم بمنظومته الكاملة إلى حالة فرح يعيشها الطّالب. ما يعزّز لديه الرّغبة في التّعلّم واكتساب المعرفة كما ينمّي في داخله مفهوم التّعليم من حيث هو بناء الإنسان بدل تنمية مبدأ الغشّ ليحصل على الرّقم المرتبط بشخصه أو مبدأ الحفظ الببغائيّ دون أن يترسّخ في داخله ما تعلّمه. فيتخلّى عن أفكار متجذّرة في ذهنه عن التّعليم بهدف المظهر الاجتماعيّ، أو تحقيق رغبة الأهل أو حلمهم، أو أنّ التّعليم يؤمّن له منصباً مهمّاً أو ما شابه. إنّ مجتمعاتنا تزدحم بطلّاب حاصلين على شهادات عليا، ومصنّفين أوائل ومتفوّقين. ونتساءل  عن سبب تراجع مجتمعاتنا  وتدهورها ثقافيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً وأخلاقيّاً وغرقها في الجهل والاستهتار.
تقع المسؤوليّة في الدّرجة الأولى على المعلّم ثمّ على الأهل. وربّما علينا إعادة النّظر في مفهوم التّعليم عند المعلّمين. فهل تحوّل إلى مجرّد وظيفة أم إنّه رسالة من خلالها نبني الإنسان، فنسهم في تقدّم مجتمعاتنا وتطوّرها ونموّها. هل ما زال المعلّم يعطي من ذاته للطّالب؟ هل ما زال يزرع ذاته في كلّ طالب؟ وهل طالب اليوم هو امتداد لمعلّمه؟ أظنّ أنّ لغة التّعليم اختلفت، وتحوّلت إلى لغة جافّة لا تروي بما يكفي عقل الطّالب ونفسه. المعلّم الّذي كاد يكون رسولاً غاب إلى حدّ ما، لذلك لم يعد الطّالب يقوم للمعلّم ويبجّله. كما أنّه فقد الرّغبة في التّعليم، فأفقد الطّالب الرّغبة الفطريّة بالتّعلّم. ولا أظلم المعلّم حين أتحدّث عن غيابه ولن أدخل في تفاصيل توحي للقارئ أنّني أتحدّث عن معلّم في عالم المثل. لكنّ التّعليم أساس تقدّم الشّعوب والمعلّم مربٍّ يعمل على بناء الإنسان وتكوينه الفكريّ. فإذا غاب المعلّم من يبني الفكر الإنساني ويعزّز قدراته؟