الاثنين، 12 أكتوبر 2020

عوالم الكينونة في لا نهائيّتها

 


قراءة في نصّ للشّاعر التّونسيّ يوسف الهمّامي

مادونا عسكر/ لبنان

- النّصّ:

المكان : نُقطةٌ

الزمان : نفسٌ

الفعل : كُنْ

..

الفستان مفتون بما يشفّ عليه.

- القراءة:

في مشهد قد يكون إشراقيّاً يطرح الشّاعر يوسف الهمّامي خلاصة الوجود بحسب رؤيته الخاصّة في نصّ يوحي شكلاً للقارئ كما لو أنّه يسير في ثلاثة اتّجاهات (المكان والزّمان والفعل) بيد أنّه نصّ يحمل في عمقه وحدة وجوديّة ويخرج عن مبدأ الجهة استناداً إلى (النّقطة والنّفس وكُنْ).

المكان مكان الشّاعر والزّمان زمانه ولا ضير في قول إنّ الفعل يعود له إذا ما فهمنا عميقاً  دلالة النّقطة بوصفها رمزاً غير مساوٍ للمكان ودلالة النّفس المتباعدة عن الزّمان ودلالة كن العائدة للشّاعر. وذلك من خلال فصل المكان والزّمان والفعل عن النّقطة والنّفس وكُنْ بنقطتين فصلتا المعنى العامّ عن المعنى الخاصّ. والمعنى الخاصّ أعمق ممّا يبدو للقارئ. ولعلّ هذا النّصّ هو الدّائرة المرتبطة بالنّقطة الّتي وضعها الشّاعر في المقام الأوّل قبل النّفس والفعل. وغالب الظّنّ أنّه يشير إلى الإنسان الكامل بالمفهوم الصّوفي فيتماهى مع محيي الدين بن عربي في قوله: "الدائرةُ  مطلقةً، مرتبطةٌ بالنقطة. النقطةُ مطلقةً، ليست مرتبطةً بالدائرة. نقطةُ الدائرة مرتبطةٌ بالدائرة" ما يمنح القارئ مفتاح النّصّ للدّخول إلى عمق المعنى الخاصّ، معنى الاختبار الصّوفيّ عند الشّاعر.

من الملاحظ أنّ الشّاعر عرّف المكان ولم يعرّف النّقطة بل جعلها نكرة، فحدّد المكان فاصلاً إيّاه عن النّقطة الدّالّة على ما هو غير محدّد. وبهذا الفصل انفصل الشّاعر نفسه عن المكان المحدّد  وخلق مكانه الخاص، دائرته الخاصّة المرتبطة به (نقطة).  فيصبح المعنى مكان الشّاعر نقطة، وهو تماهٍ مع الوجود ككلّ. فهو النّقطة المتّحدة بالوجود لكنّها النّقطة العليا. بمعنى آخر، ارتقى الشّاعر عن الوجود ولم يزل يتماهى معه. ولمّا أوجد الشّاعر مكانه الخاصّ خلق زمانه الخاصّ (نفس) فأمسى للشّاعر دائرته الخاصّة بفعله (كن) فالشّاعر، النّقطة العليا، خلق الدّائرة المرتبطة بالنّقطة والنّفس. ومعنى الخلق هنا علويّ وهو غير المعنى الانعزاليّ أو الانطوائيّ. فالشّاعر منفتح على العلوّ ومتّحدٍ بالعالم الإلهيّ وهو المخلوق والخالق. وأظنّ أنّه استند إلى الحديث القدسيّ: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". كما استند إلى الآية 82 في سورة يس: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"، والاستناد إلى الآية أو الحديث القدسيّ استناد روحيّ يقينيّ بالنّقطة المرتبطة بالدّائرة أو الإنسان المرتبط بالله كما الشّاعر المتماهي مع العالم الإلهيّ. ولعلّي أستشفّ من المعنى العميق للنّصّ أنّ الشّاعر صاغ نصّه بذات الانفتاح العلويّ فأتى النّصّ دائريّاً لا بداية له ولا نهاية فينطلق من:

المكان : نُقطةٌ

الزمان : نفسٌ

الفعل : كُنْ

إلى المعنى الأكبر والأعمق،

كُنْ الفعل

نقطة المكان

نفس الزّمان

فبات الفستان الّذي يرمز إلى الجسد أو الثّوب أو اللّباس الشّرعيّ الّذي ينبغي ألّا يكون شفّافاً، مفتوناً بما يشفّ عليه. وكأنّي بالشّاعر يصف دائرته النّوارنيّة أو يحاول أن يترجم حالة النّور الّذي يحيا في دائرته، أو لعلّه يبيّن للقارئ حركة الكلمة النّور والفعل واليقين فيحمله من المكان إلى اللّامكان ومن الزّمان إلى اللّازمان. وقد يأخذنا المعنى العميق للنّصّ إلى ما أورده السّهروردي في كتابه (نـزهة الأرواح) بعض كلامه الفلسفيّ الصّوفيّ الّذي يشير فيه إلى تلك الأنوار وحضورها في مذهبه العشقيّ: "أوَّل الشّروع في الحكمة الانسلاخ عن الدّنيا، وأوسطه مشاهدة الأنوار الإلهيّة، وآخره لا نهاية له." ويبدو أنّ الشّاعر شرع في الانسلاخ عن الدّنيا ولكن بتجربة خاصّة قد تتمايز عن المعنى المتعارف عليه للانسلاخ عن الدّنيا إلّا أنّه منغمس في مشاهدة الأنوار الإلهيّة.

 

الخميس، 1 أكتوبر 2020

لأنّ الحياة تستحقّ أن تعاش

 


مادونا عسكر/ لبنان

من يفهم الموت كحقيقة ثابتة وراسخة يحيَ بسلام.

إذا كان التّواضع هو أن يعرف الإنسان حجمه ومكانه من هذا الوجود، فالتّواضع كذلك هو قبول الموت كنهاية حتميّة وحقيقة لا لبس فيها. ومن المرجّح أنّنا كوّنّا فكرة خاطئة عن الموت أم أنّنا تشبّعنا بمفهوم خاصّ عن الموت حرمنا من الاستمتاع بالحياة نفسها. ومع اختلاف الثّقافات والحضارات والمفاهيم وربّما المعتقدات تشبّثنا بالخوف من الموت، وأقصينا الحياة نفسها فتضاعف الخوف مرّة من الحياة وأخرى من الموت؛ فتسرّبت إلى حياتنا ثقافة الموت لتعطّل مسار الحياة كما ينبغي أن يكون.

"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة". هكذا يقول محمود درويش، وهو على حقّ، ولا ريب في أنّ المعنى العميق الكامن في قوله يرشدنا إلى عشق للحياة يحفّزنا على الاستمرار مستمتعين بحياتنا، متجنّبين الظّلم الشّخصيّ لمنهج حياتنا الخاصّة. فنسعى جاهدين إلى الاستمتاع بالحياة من خلال تحديد الأهداف وتحقيقها بإصرار وعزم مهما كانت بسيطة، بعيداً عن ضياع الوقت بالسّخافات والنّزاعات الّتي لا طائل منها.   

غالباً ما تحمل الذّاكرة الإنسانيّة ثقل الظّلم من المجتمع، أو الظّروف، أو من الأفراد إلّا أنّ الإنسان قلّما يتساءل عمّا إذا كان قد ظلم نفسه. وإذا ما أدرك أنّه ظلمها فقلّما يحاول إعادة النّظر في الاهتمام بها. فلا يكفي أن نتساءل، ولا يكفي أن ندرك مدى الظّلم الّذي قد نلحقه بذواتنا، بل يجب أن نتجاوز الأمر إلى قرار الاستمتاع بالحياة. والمنبّه لهذا الاستمتاع هو الموت.

كلّ يوم يمضي هو من جهة خطوة متقدّمة نحو الموت ومن جهة أخرى يوم ناقص من الحياة، وإذا فكّرنا بشكل جيّد أدركنا كيفيّة العيش على هذه الأرض، وتمنّعنا عن تعقيدات كثيرة ومعوّقات أكثر تحول بين سلوكنا الحياتيّ الجافّ والاستمتاع الحقيقيّ بالحياة. والاستمتاع هو غير الاستهتار وعدم المبالاة بقيمة الحياة. وإنّما الاستمتاع هو أن نجعل الحياة أقلّ تعقيداً وأكثر سلاسة، فنهدم تلك الجدران العنيدة الّتي بنيناها بحسب ما يرى المجتمع والتّقاليد والأعراف وكلّ ما يمكن أن يقيّد الإنسان فكريّاً ونفسيّاً ويمنعه من الانطلاق والفرح وإدراك الجمال. وإذا فكّرنا بوعي أكبر فهمنا أنّ كلّ مرحلة من حياتنا مضت هي شكل من أشكال الموت. فعندما تمعن النّظر في الطّفل الّذي كنته – مثلاً- تدرك أنّه مات ولا تحمل منه إلّا الذّكرى، وكذلك كلّ مرحلة من الحياة. قد تتذكّر وتحزن وتشعر بالحنين وتودّ لو أنّك تستطيع أن تستعيد لحظة واحدة مضت، لكنّ الموت هو الموت. فتقبّل ببساطة وتواضع ومحبّة وتتطلّع إلى الآن والمستقبل ويبقى الماضي صديقاً أميناً تحمله في داخلك لتحيا بشكل أفضل،  لكنّه يبقى ماضياً مات ولن يعود.

إنّ قبول واقع الموت ببساطة وتواضع يمنح الإنسان آفاقاً واسعة من الإبداع والتّغلّب على الصّعوبات واحترام قيمة الحياة ومعناها. فتصحو مع كلّ صباح لترى أنّك حيّ ويمكنك أن تستمتع وتحلم وتحقّق ما يمكن تحقيقه من أحلام وأهداف وتتطوّر وتبدّل جزءاً من هذا العالم بتغييرك لنفسك. يكفي أن نعي أنّ الموت نهاية لنكوّن ثقافة الحياة ونمضي قدماً بشجاعة وثقة واستغناء عن متاهات لا حاجة لها، وعن صراعات غبيّة لا تستحقّ حتّى أن نتحدّث عنها.

فكّر وأعد النّظر بمفهومك للموت واعشق الحياة واستمتع بكلّ خطوة تخطوها ناجحة كانت أم فاشلة. فكّر بحريّة وأحبب كثيراً واغرف من اللّحظة ما أمكنك فأنت لا تملك سواها. أحبب حياتك وتأمّل جمالك أنت مهما كانت الظّروف واستمتع بالقليل أو الكثير؛ لأنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

 

السبت، 19 سبتمبر 2020

أنوارٌ على ظلال الصّمت


 

                                                                                      مادونا عسكر/ لبنان

(1)

هذي الحياة

قطرةٌ

في نهرٍ أنت ناظرُهُ

يصّاعدُ

باتّجاه العلاءِ الملتبسِ

فاخلع عنكَ

عينيكَ الباهتتين

حدّد وجهة علائكَ أنت

وامضِ

إلى الأفقِ البعيدِ الشّاردِ

قبل ذوبان الرّيح وتلاشي النّظر

(2)

... والآن،

أكتشف عالماً انطوى في داخلي

بالأمس نبذته عن جهل واليوم أسبر أغواره  كطفلةٍ تحبو على تراب مبعثر في أروقة المكان والزّمان

بالأمس حلّقت بعيداً، واليوم أعانق ذرّات منثورة في فضاء النّهى، تقودها المعرفة أنّى تشاء

اليوم هو اللّحظة المتطلّعة إلى الأمس المتجذّر في العناصر الواضحة والملتبسة. الأمس هو اليوم الجديد المتجدّد، المسافر عبر الزّمن ذهاباً وإياباً

لو عرفني أسلافي لسخروا من التّحليق المغالي. لو عرفتهم من قبل لشرّعت نوافذي على أبدٍ قديم وبدّلت اتّجاه عقارب السّاعات وجعلت المساء صباحاً والصّباح مساءً

قد لا يغيّر النّهر مجراه، لكنّ الماء يتجدّد دائماً. 

(3)

إن لم يتمرّد

عند انهيار الجمال على شواطئ العبث

إن لم يبدّل

مسار العدم في رحلة الألم الغاصب

إن كان سراباً

أو طيفاً

أو صورةً

أُقحمت في تاريخ البشر

فما الجدوى؟

أنا الّتي عرَفَتْ ما عَرَفَتْ

وأيقظت فيك عذوبة النّفس

وسلام الانتظار

أنا الّتي رأيتَ في عينيها

ملامح الشّاطئ الغريب

وأبعاد الضّفّة الأخرى

أَنِر في عمق أعماقي قناديل العاشقين

الظّامئين

وصلوات الفراشات المحترقات

في صمت النّور

(4)

كلّ الأزمنة باهتة

وزمنك وحده زهوٌ في خاطري

البحر أمامي

قطرةٌ

نسيجها

سماء صوتٍ

يمحو هدير المسافات

(5)

بيني وبينك حديث قلبٍ

لغةٌ

ترقدُ

وأخرى تقوم إلى النّيّرات السّبعة

العاشق لا يأسره حرف ذليل

لا ينازعه معنىً في سماء الهوى

ألوذ بصمت العاشقين

وتعتصمُ بحجاب السّابحين في نبع الوحي المتدفّقِ

العشق

فراغ محرّر

لا حديث

لا حبّ

لا عشق...

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020

في المعنى العميق للتّواضع

 



مادونا عسكر/ لبنان

ترى من هو الأكثر تواضعاً؟ أهو ذاك الّذي يعرف حجمه من هذا الكون ويحدّد مكانته منه، أم ذلك المنغمس في وهم التّواضع الدّال ضمناً على الخنوع والضّعف، أم ذلك المتبسّم بهدوء مفرط كدلالة على تواضعه وهو يضمر عن وعيٍ أو عن غير وعي، عن محبّة  كاملة أو مشروطة، تعالياً يرجعه إلى كونه مخلوقاً متميّزاً.

إذا كان التّواضع هو عدم التّكبّر والتّعالي فالتّعريف ينقصه ولوج العمق الحقيقيّ لمصطلح التّواضع. ففي الظّاهر يمكن لأيّ إنسان من خلال سلوكه الظّاهريّ أن يظهر تواضعاً بشكل أو بآخر. بيد أنّ التّواضع لا يكون سلوكاً بالمعنى الصّحيح إلّا بقدر ما يكون إدراكاً عقليّاً واعياً وليس تطبيقاً لوصيّة ما أو شريعة ما. بمعنى آخر، إنّ التّواضع نتيجة لإدراك عقليّ واعٍ بالامتداد الإنسانيّ عبر التّاريخ وبالمكانة الحقيقيّة في هذا الكون الشّاسع اللّامحدود. فيكون تعريف  التّواضع الصّحيح هو التطلّع على مستوى النّظر إلى كلّ مكوّنات هذا الكون. فالتّواضع مرتبط بكلّ ذرّة وكلّ خليّة من الكون بكلّ ما يحتويه من كواكب ومجرّات وشموس وكائنات حيّة وجماد. إنّها مسألة النّظر بخشوع وعظمة في آن لهذا الكون الفسيح  وإلى "النّقطة الزّرقاء الباهتة" حيث نسكن كما يقول العالم الأمريكيّ كارل ساغان. فإذا نظر إلينا أحدهم من خارج هذا الكوكب قد يرانا كحشرات صغيرة أو قد لا يرانا. ففي هذا الكون الرّحيب المترامي لسنا بذات القدر من الأهميّة الّتي نعتدّ بها، ولسنا أرقى المخلوقات كما نوهم أنفسنا.

غالباً ما يفهم الإنسان التّواضع على أنّه نكران الذّات وتحقيرها أو أنّ موضوعه مساعدة الآخر أو التّغاضي عن الإنجازات الّتي يحقّقها الإنسان. بيد أنّ موضوع التّواضع أعمق وأسمى من ذلك بكثير. فالتّواضع ينتج عن عقل تسامى وارتقى سلّم العلم واكتشف العالم من حوله بعلوّه وعمقه. وبقدر ما يكون العقل واعياً وملمّاً بالعلم وأدلّته على نشأة الكون وخاصّة الإنسان، وبقدر ما تبيّنه له الحجج المنطقيّة العلميّة أنّه ليس الأرقى بين الخلوقات يتواضع الإنسان تلقائيّاً، لأنّه سيدرك أنّه لا شيء. ومعنى اللاشيء لا ينتقص من قيمة الإنسان المعرفيّة والفكريّة ولا من قدرته على المحبّة والعطف والاهتمام، وإنّما معنى اللّاشيء يظهر للإنسان حجمه الحقيقيّ فيتواضع. وغالباً ما يفهم التّواضع على أنّه غضّ النّظر عن الإساءة أو الأذيّة فيدخل في التباس مع التّسامح، هذا المفهوم الملتبس كذلك، إلّا أنّه إذا أتى فعل التّواضع كفعل تجاهل للأذيّة فهو فعل يسهم في تعزيز الشّر وانتهاك حقوق الإنسان والكرامة الإنسانيّة. وإذا اقتصر على مساعدة الفقراء وحسب، أي دون السّعي إلى نقلهم من وضع إلى آخر من خلال العمل فهو يساهم في تعزيز الطّبقيّة في المجتمع. وإذا اقتصر التّواضع على السّلوك غير المتعالي  خاصّة بين أفراد الجماعة الواحدة سواء أكانت دينيّة أم غير دينيّة، فهو تواضع منغلق بل مزيّف؛ لأنّه يتّجه باتّجاه واحد ولا يشمل كلّ الاتّجاهات الكونيّة. 

المتواضع الحقيقيّ هو ذاك الّذي يعتمد عقله مبدأ البحث والتّساؤل، مبدأ الكيف لا مبدأ اللّماذا. فمبدأ الكيف بحث عقليّ علميّ متواصل وإدراك واعٍ وحرّ لأهمّيّة العقل في البحث في الأسباب والنّتائج. وبقدر ما يمتلك الإنسان عقلاً حرّاً وشجاعاً في التّفكير آخذاً بعين الاعتبار حقّه في التّمرّد على كلّ تقليد متوارث والشّكّ في كلّ شيء حتّى تنكشف له الحقائق، بذات القدر يتواضع. فالفكر الحرّ غير ملزم بأيّ فكر يجبره على الاقتناع بعيداً عن التّحليل والشّكّ. كما أنّه غير ملزم بأيّ رأي أو شرح أو تفسير أو إملاءات تشكّل وعيه، وغالباً ما تغرز فيه بذور التّعالي.

مجرّد أن يعتبر الإنسان أنّه سيّد الكون، أو محوره، أو الأرقى بين المخلوقات فهو بعيد جدّاً عن التّواضع؛ لأنّه لا يتطلّع إلى هذا الكون على مستوى نظره. وبالتّالي سيظهر له فعل التّواضع كتنازل عن مستوى معيّن ليعبّر عن تواضعه. إذا فهمنا بشكل جيّد أنّ التّواضع نتيجة لعقل تمرّس على البحث وترتيب الأفكار وإدراك الحجم الحقيقيّ للإنسان نفهم أنّه ليس موهبة خاصّة ممنوحة للإنسان، وإنّما هو فعل عقل حرّ ونظيف ومتسامٍ ومترفّع عن الإعلاء الوهمي للذّات.

وبقدر ما يتواضع الإنسان ويعرف حجمه يقبل الموت كنهاية وكفعل حرّيّة كاملة. لعلّه بذلك يدرك تماماً أنّ الذّاكرة الكونيّة ستحتضنه بقدر تواضعه العقليّ المحقّق لتواضعه القلبيّ. إنّ هذا الوهم، أنّنا الأفضل، تواجهه بقوّة نهاية حتميّة، تمحو كلّ شيء في لحظة ولا يبقى منّا إلّا فكر متواضع ترك أثراً في هذا الكون.

 

الجمعة، 4 سبتمبر 2020

العقل الحرّ وشجاعة التّفكير

 


مادونا عسكر/ لبنان

يربط "إيمانويل كانت" استخدام العقل بالشّجاعة، فيقول: "عليك أن تتحلّى بالشّجاعة الكافية لاستخدام عقلك." فهل يمكن القول إنّ التّخلّي عن استخدام العقل جبن أو تقاعس عن الوظيفة الطّبيعيّة للعقل. لا ريب في أنّ معنى قول كانت لا يندرج  في إطار الوظائف العقليّة العضويّة، وإنّما المعنى الأساس هو استخدام العقل كفعل مواجهة قياساً على لفظ (الشّجاعة). كما أنّه فعل إدراك لأهمّيّة استخدام العقل وتبيّن الأمور الّتي يمكن أن تعيق الإنسان وتمنعه لا إراديّاً أو إراديّاً من المواجهة. ولعلّ المواجهة الأهمّ هي تلك المرتبطة بالحقائق الّتي يعيشها الإنسان ويعتبرها حقائق لا لُبس فيها، سواء أكانت حقائق علائقيّة أم اجتماعيّة أم دينيّة أم علميّة أم سياسيّة إلى ما هنالك من حقائق تشكّل منهجاً لحياة الإنسان.

تبدأ المواجهة من حيث ينتهي قول ابن النّفيس: "وربّما أوجب استقصاؤنا النّظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنع حقّ ومألوفٌ محمودٌ كاذب، والحقّ حقّ في نفسه، لا لقول النّاس له، ولنذكر دومًا قولهم: إذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخّرُ كلّ صنعةٍ خيرٌ من متقدّمها" ويحمل هذا القول في طيّاته معاني المواجهة عندما تنبّه العقل إشارات تقلب الحقائق رأساً على عقب. فينشأ صراع بين قبول الحقائق الجديدة ورفض الحقائق السّابقة أو تلك الّتي اعتبرت حقائق لوقت طويل في حين أنّها مجرّد وهم. فإذا لم يتحلّ الإنسان بالشّجاعة سيصعب عليه تحكيم  العقل والإصغاء ثمّ مباشرة البحث ريثما يبلغ الحقيقة المنشودة. فغالباً قليلون من يقبلون مواجهة الحقائق وكثيرون يطالبون بمعرفة الحقيقة بيد أنّهم في اللّحظة الحاسمة يتراجعون ويبادرون بالإنكار، لأنّهم يخشون استقبال ما يخالف قناعاتٍ تربّوا عليها واعتقدوا أنّها حقيقة لا لُبس فيها. لعلّ الإدراك الإنسانيّ في هذه اللّحظة يواجه بقوّة جزءاً لا يتجزّأ من كينونة الإنسان. فالتّعايش مع حقيقة ما يحدّد الكينونة الوجوديّة ومواجهتها ثمّ الانقلاب عليها  يخلق صراعاً عنيفاً وخوفاً من فقدان هذه الكينونة، ما يشبه الخوف من الموت. وأمّا عامل الخوف فينتج عن إحساس بعدم الأمان من الانتقال من مرحلة الوهم إلى مرحلة الحقيقة الّتي تفترض عودة إلى نقطة الصّفر ورحلة بحث شاقّ في اكتشاف ملابسات عديدة حتّى يبلغ الحقيقة ويشرع بالتّعايش معها. وأمّا سبب هذا الخوف فيعود إلى الطّريقة الّتي يتربّى عليها العقل في التّعبير عن قلقه المعرفيّ وترجمته.

إذا تربّى العقل على كبت قلقه وشكوكه وتدرّب على قبول ما يُملى عليه دون مناقشة ودون اعتماد مبدأ الكيف واللّماذا فمن الصّعب أن ينشأ حرّاً دقيق الملاحظة، لأنّه دائماً في حالة تلقّي لمبادئ هذه الحقائق فتترسّخ في وعيه ولا وعيه بل تتملّكه حدّ محاربة كلّ تيّار معاكس لهذه المبادئ. إنّ مسألة حرّيّة العقل مسألة مهمّة بل الأهمّ في تكوين الوعي الإنسانيّ. ولا بدّ من السّماح له بالتّفكير في أيّ شي وبالطّريقة الّتي يراها مناسبة والتّعبير عن آرائه بحرّيّة تامّة. فالتّعبير الحرّ إدراك صادق يمكّن  الإنسان من تشكيل وعيه الخاصّ ويحفّز لديه الحسّ النّقديّ حتّى لا يقع في فخّ الوهم المفترض حقيقة. فالطّفل يواجه مبدأ العيب وكذلك المراهق وهو في عزّ انقلابه على المنظومات الاجتماعيّة والدّينيّة والسّياسيّة وبالتّالي يصبح راشداً يحمل في داخله الخوف من مناقشة الأفكار مانعاً عنها الجدل الذّهنيّ المؤدّي إلى قناعات خاصّة قد تتوافق أو لا تتوافق مع المتعارف عليه.

قد يعتبر البعض أنّ حرّيّة التّعبير أو الرّفض أو الشّكّ تفلّت من الأصول بيد أنّها عمليّة إفراغ للأفكار فتتجلّى واضحة للإنسان نفسه كما للآخر. ومن خلال المناقشة والحركة الذّهنيّة يتمّ تقويم الأفكار عن اقتناع وليس عن قمع.

حرّيّة العقل شجاعة الإنسان الّتي تنمّي في وعيه القيمة المعرفيّة والرّغبة في البحث والتّحليل ومقاربة الأمور وتحديد الأهداف وبلوغها بعيداً عن أيّ ضغط  أو حصار معرفيّ. إنّها الحرّيّة الحافز الّتي تتقدّم بها المجتمعات وتنتقل من مجتمعات جاهلة تعتمد على الخدمة السّريعة للمعرفة وترتكز على من يفكّر عنها ويخطّط لها إلى مجتمعات تفكّر بنفسها وتتبيّن ما يناسبها وتسعى للتّقدّم الإنسانيّ.

 

تربية العقل أولى الأولويّات

 


مادونا عسكر/ لبنان

يكفي أن نتأمّل جيّداً واقعنا الفوضوي والمضطرب على جميع الأصعدة؛ لنتبيّن أنّ إنسان اليوم يعاني بشدّة من أزمة عقل. وتكمن الأزمة في كون أنّ العقل تمّ تغيّبه إمّا عمداً لسبب أو لآخر، وإمّا سهواً بسبب الانهماك بالأوضاع الاجتماعيّة أو الاهتمام المفرط بماض من الأمجاد الحقيقيّة أو الواهمة، أو الانشغال بما  يعزّز نزعة التّمجيد الذّاتيّ المؤدّية إلى اعتبار الإنسان محور الكون. إنّها أزمة العقل المتفلّت من أصول التّربية العقليّة، فبات غير متّزن، فوضويّا، وغير قادر على الانضباط والتّحليل بغية الوصول إلى نتائج منطقيّة. وكما أنّ الإنسان يتربّى على الأصول الاجتماعيّة والتّقاليد العائليّة والمفاهيم العقائديّة منذ صغره، فلا بدّ من أن يتربّى أوّلاً عقليّاً بحيث يصبح العقل شرارة الإشراق الأولى الّتي تبني الإنسان وتنمّيه فيتحكّم بغرائزه ونزعاته ومشاعره. وحده العقل يضبط المسار الإنسانيّ ويقدّم وسائل عدّة لإدراك معنى الحياة وأهمّيّتها بعيداً عن التّنظير وترداد الكلمات والعبارات وتكرار ما يملى عليه حتّى يصبح هذا الإملاء حقيقته الوحيدة.

قد نغفل بشكل أو بآخر عن التّربية العقليّة الّتي تتضمّن بشكل أساسيّ تربية الإنسان على شقّ مسار فكريّ خاصّ به. بمعنى آخر تدريبه على المقارنة والتّحليل واستنباط الأمور وتبيان الصّواب من الخطأ واتّباع الدّليل واستخلاص الرّأي الشّخصيّ الفرديّ بغض النّظر عن الأفكار المترسّخة في المجتمع وبغضّ النّظر عن المعوّقات المجتمعيّة المعتمدة على العادات والتّقاليد. ولا بدّ من تفعيل هذه التّربية العقليّة منذ الصّغر وبشكل بسيط يمكّن الإنسان من النّموّ على مبدأ البحث الشّخصيّ وإعمال العقل في شتّى الأمور من أصغرها إلى أعظمها. فيكون الإنسان سيّد نفسه بعقله المتّزن والمتحرّر ويكون سيّد قرارته واختياراته دون الانزلاق في تيّارات الفوضى الفكريّة وتخبّط الأفكار العشوائيّة وارتباك الوعي في الأوقات الّتي تتطلّب وعياً عقليّاً وفكريّاً.

تقود التّربية العقليّة إلى ضبط النّزعات الإنسانيّة وضبط المشاعر المترهّلة، كما أنّها تصوّب المسار الفكريّ مانحة إيّاه الشّجاعة على القبول والرّفض بقرار شخصيّ، واهبة إيّاه القدرة على الفهم الحرّ لا الفهم المرتبط بما يتناسب وفهم الآخر أو مشيئة الآخر. التربية العقليّة تكسب الإنسان جرأة على قول "لا" في الوقت الّذي ينبغي أن يقول "لا" متحدّياً كلّ عبث بعقله أو طريقة تفكيره. إنّها جرأة العقل المتمرّد بهدوء على واقع واهم أو مفهوم ملتبس أو وضع مبهم. إنّها جرأة يُستدلّ من خلالها على احترام الإنسان لعقله ورصانة التّفكير واتّزان الشّخصيّة. فاحترام العقل الإنسانيّ يترادف ومبدأ الحرّيّة الفكريّة الّذي يغني الإنسانيّة ويطوّرها، فلا تترسّخ الرّتابة والميكانيكيّة في الذّهن الإنسانيّ. ما يؤدّي إلى تغييب العقل بل قتله فلا يبقى من الإنسان إلّا فوضى المشاعر واضطراب التّعبير واختلال الذّكاء. لا بدّ من أن يتربّى العقل ويتمرّس على نهج مبدأ المقدّمات والنّتائج في مسار منطقيّ يحرّره من أفكار عقيمة ومعقّدة تعيق إدراكه لمعنى الحياة الحقيقيّ.

بقدر ما يكون العقل حرّاً شجاعاً يواجه الصّعوبات والتّعقيدات بتفكيكها وتبسيطها؛ لأنّه تمرّس على انتظام التّفكير وترتيب الأفكار. وبذلك يمكنه أن يدرك بشكل فرديّ وشخصيّ الحلول المناسبة. ذلك لا ينفي مشاركة الأفكار والآراء، وإنّما ذلك يؤكّد تحمّل مسؤوليّة الفرد في اتّخاذ قراراته بعيداُ عن الانسياق إلى رأي القطيع أو سيّد القطيع بعيداً عن الخوف من التّفلّت من السّياق العام أو المنهج العام. فالدّليل على صحّة الأمور وصوابيّتها لا يكمن في الآراء السّائدة أو المتعارف عليها أو المترسّخة، وإنّما الدّليل على صوابيّة الأمور يكمن في الدّليل المتجلّي في الأدلّة الواضحة بين المقدّمات والنّتائج.    

إن كان لا بدّ من احترام للعقل فلا بدّ من تربية عقلية بل تمرّد عقليّ على كلّ ما لا يقدّم للإنسانيّة ما يليق بها من حرّيّة واحترام.      

الجمعة، 28 أغسطس 2020

كلّنا موتى في طوائفنا


مادونا عسكر/ لبنان

في لعبة الطّوائف وحده الدّمّ يتكلّم. وحده الدّم يجرف لعنة الطّائفة الّتي نتنفّسها منذ لحظة الولادة ونرضعها من أثداء أمّهاتنا حتّى تتغلغل في كلّ خليّة من خلايانا. ثمّ نمضي، على جباه كلّ منّا سمة الطّائفة، في أكذوبة العيش المشترك، وخدعة الأخوّة ولعنة المحبّة الزّائفة.

ثماني عشرة طائفة في بلادي تلعن بعضها سرّاً وأحياناً علناً. ومع كلّ لعنة تتشقّق الرّوح فتخرج حمم الخبث والمكر والغشّ وينبعث الخوف القاتل ويندفع لحماية الطّائفة. ثماني عشرة طائفة في بلادي تهرع لاحتلال المراكز والمناصب من أعلاها إلى أسفلها بحسب الكفاءة الطّائفيّة والعنصريّة المقيتة المتجذّرة في عمق الأعماق الصّامتة، المترصّدة للغرائز والنّزعات. ثماني عشرة طائفة لكلّ منها نظامها وهيكليّتها وجوهرها وتأويل نصوصها والاحتماء بها حتّى يأتي الدّم ويهدم الهيكل على الجميع.

كلّنا نطالب بإلغاء الطّائفيّة ونطالب فقط. إلّا أنّه عند لحظة الحقيقة كلّ يقف على سلاحه الفكريّ والجسديّ والمعنويّ والمادّي، وتنهار تلك الابتسامة الخبيثة والتّسامح المتعالي ويتلاشى العقل أمام فجور الغريزة ونزعة البقاء القبليّة البغيضة. إنّ المطالبة بإلغاء الطّائفيّة سياسيّة كانت أم غير سياسيّة لا تتضمّن أيّة أهمّيّة لا بل من السّخف والغباء أن نصرخ في الشّوارع ونطالب بإلغائها.

ما يجدر بنا أن نشتغل به هو دراسة أبعاد الطّائفة الأخلاقيّة ومعالجة تأثيرها على المنطق العقليّ والسّلام النّفسي والسّلوك والتّطوّر الإنسانيّ حتّى نتخلّص منها. فالتّمسّك بالطّائفة الّتي يرثها الإنسان ويتعلّم ويتدرّب على الحفاظ عليها تسهم بتراجع الأخلاق الإنسانيّة وتهدّد القيم وتحرّك معانيها وتوجّهها بحسب ما يتناسب وحماية الطّائفة. فالطّوائف المتفرّعة من الدّين الواحد المعتمدة على جوهر الدّين الواحد وغير المتنازعة على أصول الدّين الواحد إلّا أنّها تتنازع وتتصارع على تأويل النّصّ وشرحه وتطويعه بما يتناسب والمصلحة الخاصّة وبما يتوافق وحماية القبيلة. ولسنا بحاجة لاستدعاء التّاريخ البعيد والقريب لنتذكّر الجرائم والنّزاعات الدّمويّة والسّلوك الوحشيّ وحتّى النّزاع الصّامت المتخفّي. ولمّا كان النّزاع حاضراً وحتميّاً فلا ريب أنّ الطّائفيّة  ستؤثّر على الأخلاق وتزعزع القيم. فالنّزاع يترافق والحقد والبغض والكره والاستعداد الدّائم للمواجهة خوفاً من فقدان الحماية وخوفاً على المصالح الّتي لا علاقة لها قطعاً لا بتقوى ولا زهد  ولا ورع ولا مخافة الله.

 ولمّا كانت الطّائفيّة شكل من أشكال القبليّة فلا ريب أنّه يلزم الجماعة زعيماً دينيّاً أو سياسيّاً تنضوي تحت جناحيه وتعمل بآرائه وقراراته طائعة حتّى النّفس الأخير. ما يعني أنّ حرّيّة الفرد على المحكّ، حرّيّة زائفة واهمة مقيّدة بأغلال من ذهب حتّى لا يتسنّى للجماعة أن تتمرّد أو أن تعمل العقل أو تنتقد. وإذا غاب النّقد فإنّه إشارة إلى غياب العقل والمنطق ودلالة على أنّ الطّائفيّة تهيمن على العقل النّاقد والمفكّر وتؤثّر على نموّه المنطقيّ السّليم لأنّها تعزّز النّزعة الإنسانيّة إلى الجرم والحقد والكذب والسّيطرة. كما أنّها تخلق ميكانيزماً تفكيريّاً واحداً عند كلّ إنسان منغمس في طائفته ومتحمّس أبداً للدّفاع عنها. وبالتّالي فنحن أمام آلاف يتصارعون ويتقاتلون بميكانيزم تفكير واحد. منهم من يتقاتلون بالسّلاح، ومنهم من يتقاتلون في قلوبهم وصلواتهم، ومنهم من يتقاتلون ظاهريّاً لإشعال الغرائز.

كلّنا موتى في دويلات داخل الدّولة المهترئة. كلّنا موتى في طوائفنا داخل الدّين الواحد. كلّنا موتى في الطّوائف المتفرّعة من الأديان في بلاد تحوّلت إلى قبور تجري من تحتها أنهار الدّم. فالدّم وحده يتكلّم في منظومة الطّوائف، والدّم وحده يجرف الأجساد المبعثرة هنا وهناك دون أن يسألها عن طائفتها.