الجمعة، 27 يناير 2017

التّربية بين المحبّة والسّيطرة


يواجه الأهل اليوم مشكلة حقيقيّة وعقيمة تتجلّى في عدم القدرة على تربية الأبناء على الطّاعة. وذلك إمّا بسبب عدم معرفة مفهوم الطّاعة وإمّا بسبب اعتبار كلمة طاعة معيقة لنموّ شخصيّة الأبناء، إمّا لأنها باتت فكرة قديمة لا تجاري عصرنا الحالي ولا تواكب التّربية الحديثة. ونسمع الكثير من الآباء والأمّهات يقولون: "لا أستطيع السّيطرة على ابني أو ابنتي".
هذا الخلل أو هذه المشكلة لا يعود سببها إلى الأبناء وإنّما تبدأ مع الآباء والأمّهات. فكلمة طاعة لا تعني الخضوع بالمعنى القمعيّ للكلمة أو تنفيذ الأمر دون اعتراض، وبالتّالي فإنّ كلمة سيطرة لا تتناسب مع التّربية ولا توجّه الأبناء بشكل سليم. فالقمع يخلق عبيداً سيتمرّدون لاحقاً أو يتصرّفون بالخفاء بما يتناسب وأهوائهم.
الطّاعة هي فعل محبّة وثقة بالشّخص الواجب طاعته، وهي تسليم إرادي ناتج عن قناعة وإدراك بأنّ هذا الشّخص هو مصدر الأمان والخير والحبّ. قد لا يكون أبناؤنا يتمتّعون بهذا الإدراك وهم يطيعوننا إلّا أنّهم يعون في داخلهم أنّ أهلهم لا يريدون لهم إلّا الخير، شريطة أن يتقن الأهل كيفيّة تدريب الأبناء على الطّاعة. هذه التّقنيّة تدعى المحبّة والاهتمام وتربية الطّفل منذ صغره على الالتزام بالقوانين إراديّاً وعلى تقبّل المحاسبة عند عدم الالتزام. وذلك يكون بالحوار والمناقشة وتبيان الصّواب من الخطأ. ليست الطّاعة أن نعلّم أبناءنا على قول (نعم) كيفما كان ولأيّ كان، وإنّما مساعدتهم على فهم المطلوب منهم حتّى ينفّذوا إراديّاً بدون أيّ شعور بالقمع أو التّرهيب.
كلّ الآباء والأمّهات يحبّون أبناءهم بدون أدنى شكّ، ولكنّ قسماً منهم يحبّ محبّة تنطلق من الذّات البشريّة، فيبني شخصيّة ابن/ ابنة هشّة وسطحيّة وضعيفة تودي به إلى الهلاك. وأمّا القسم الآخر فيستمدّ محبّته من الله فتكون المحبّة معلّمة ومؤثّرة، قوامها الاحترام للكلمة الأبويّة الّتي تشكّل مرجعاً بالنّسبة للأبناء. 
 التّواصل المحبّ بين الأهل وأبنائهم لا يُخلق من فراغ وإنّما وعي أنّ المحبّة ليست استهتاراً أو تلبية رغبات بشكل عشوائيّ، وإنّما المحبّة فعل إلهيّ في نفوس البشر تنير أذهانهم بالحكمة وتفتح بصائرهم وتعلّمهم كيفيّة التّعامل بصدق وأمانة مع أبنائهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق