الأربعاء، 18 يناير 2017

الكتابة النسويّة وسلطة الجسد


مادونا عسكر/ لبنان

الكتابة فنّ التّعبير عن الذّات وعن الآخر،  فعل حرّ غير خاضع لأيّة قيود يمكنها أن تحول دون تحقيق الذّات. وبالحديث عن كتابة نسويّة ننفي عن هذا الفنّ قيمة الحرّيّة. فالكتابة هي الكتابة سواء أكان الكاتب رجلاً أو امرأة، مع فارق الخصوصيّة على المستوى الإبداعي والخبرة الإنسانيّة. إلّا أنّه في شرقنا المسكين ما زلنا نفرّق بين الرّجل والمرأة على المستوى الإنسانيّ وبالتالي الاجتماعيّ والثّقافي. وما يُسمح به للرّجل ليس متاحاً للمرأة. وإذا أرادت المرأة خوض غمار الكتابة عليها الالتزام بقواعد صارمة تجبرها على الانصياع لعادات وتقاليد بالية، والخضوع لفكر راكد يخشى نور الفكر الحرّ.
المرأة كائن يخضع للتّجربة الإنسانيّة والاختبار الحياتيّ بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لكنّ المحيط العائلي والاجتماعي والتّربويّ والدّينيّ يقمع بشكل أو بآخر قدرتها على النّموّ. ما يحول بينها وبين التّعبير عن هواجسها وأفكارها. ولقد هيأ الدّين بشكل أساسيّ لهذا القمع من خلال قراءات خاطئة عن حضورها كدرجة ثانية. ما أسّس إلى استسلام من طرفها للمعتقدات الّتي تقمع حرّيّتها من جهة، ومن جهة أخرى تأسرها في سجن الأنثويّة بغضّ النّظر عن كيانها الإنسانيّ الّذي هو قيمة بحدّ ذاته.  فعاشت في هذا السّجن كأنثى وغفلت عن تحقيق ذاتها كامرأة.
هواجس المرأة الإنسان عديدة وأهمّها هاجس الجسد الّذي طالما أوعز له الإثم والخطيئة. فاستحال تعبيرها عنه إبداعيّاً، ممقوتاً ومرفوضاً لمجرّد أنّها امرأة. ولمّا وعت المرأة قدرتها على صياغة النّصّ الإبداعيّ كتبت عن الجسد/ جسدها، وعبّرت بحرّيّة رغم كلّ الانتقادات والاتّهامات الموجّهة إليها.
ينبغي أن نعلم أنّ الجسد جزء لا يتجزّأ من الكيان الإنسانيّ، بل هو الحقيقة الّتي منها ننطلق لنبلغ عمق كياننا. وهو قيمة مقدّسة تحتاج إلى فكر حرّ ونقاء قلبيّ وصدق مع الذّات لإبراز جماليّاتها. والكتابة عن الجسد لا تقلّ قيمة عن سواها من المواضيع والهواجس الممكن معالجتها. ولئن كان الجسد قيمة، فلا بدّ من الانعتاق من الفكر القائل بدونيّته واحتقاره واعتباره سلعة توفي الرّغبة حقّها وحسب.
 وإذا كانت المرأة تودّ إحداث صدمة للمجتمع من خلال سلطة الجسد في نصوصها،  فهي أوّلاً تحدّد مكانها من هذا العالم، وتعترف بإنسانيّتها قبل أنثويّتها، وتخرج عن سيطرة الرّجل المحتكر للحقوق الإبداعيّة. وثانيّاً  تصيب هدف الكتابة وفحواها، فما نفع الكتابة إن لم تكن حجراً يُرمى في المياه الرّاكدة ليحرّكها؟ وما هي أهميّة الكتابة إن لم تبحث عن معالجة الهواجس والسّماح بالتّعبير عنها في سبيل بلوغ الحرّيّة؟
قد نقرأ بعض النّصوص لكاتبات عربيّات بُنيت على  تراكمات نفسيّة وكبت تملّك من النّفس لسنين طويلة إلّا أنّه بالمقابل، ثمّة نصوص إبداعيّة كثيرة دلّت على المرأة المكتملة بحرّيتها فكريّاً وروحيّاً.

سلطة الجسد في النّصوص النّسويّة، إن جاز التّعبير، ما هو إلّا إدراك واعٍ للجسد القيمة، وصوغ للجمال الإنسانيّ، وتبيان حرّيّة المرأة الفكريّة والنّفسيّة والرّوحيّة.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق