الخميس، 19 يناير 2017

حقيقة الحب شعاع ينفي الارتباك


مادونا عسكر/ لبنان


لمحة نقديّة في نص للشّاعر التّونسي  رضا  السّبوعي
- النّصّ:
ولمّا خلعت 
رداء الشّغف 
وتجاهلت قلبي 
حين بك تشبّث وإليك انعطف 
ولما انتزعت أساور عشقي ..
وركنت قلبي برفّ التّسالي 
وصرت في الهجر متكلّفا ينكر حينا 
وحينا يغالي ..
وجدت وسط الخواء في داخلي 
أمواجا من الذّكرى تمرّغ ساحلي 
فتكتب لك مجلّدات كتماني ..
تشي إليك زيف ادّعائي 
تعبئ بالصّوت صمت ندائي 
وتطلين باللّون آه تسلّلت 
خلسة من جوف صدري 
فتفضح أمري 
بأنّي ما بارحت سعير احتراقي 
وما رممت ثقوب اختراقي ..
وما كنت يوما أظنّ أن .. 
استعبادي في العشق ..
ارحم من هول انعتاقي !!(رضا السّبوعي)

- لعلّ الشّاعر رضا السّبوعي وهو مقدم على خلع رداء الشّغف ما كان يحسب أنّه يلبس ثوب الحبّ كتحوّل من أقصى التّخلّي كفعل حرّيّة إلى أقصى الاستعباد كفعل حبّ. وتظهر السّطور الأولى ارتباكاً في الصّورة الشّعريّة لتنقل لنا حالة الشّاعر النّفسيّة المتردّدة أو المتوغّلة في الذّات للّقاء معها بهدف الحدّ من الحيرة والتباس المعنى بين الانعتاق من الحبّ والتّجذّر به.
(ولمّا خلعت 
رداء الشّغف 
وتجاهلت قلبي 
حين بك تشبّث وإليك انعطف )
تسيطر في هذه السّطور الحالة الممتدّة من زمن معيّن، فالشّاعر يقرّر بعد تفكير وتأمّل. إلّا أنّ القرار أتى مرتبكاً، لأنّه لم يرد هذا الانعتاق إلّا ظاهرّيّاً، كنوع من اختبار للحرّيّة بعيداً عن الطّرف الآخر. أو كنوع من هروب من الذّات المرتبكة من حضور الشّخصّ (وصرت في الهجر متكلّفا ينكر حينا / وحينا يغالي).   هذا الصّراع الدّاخلي يتجلّى في السّطور اللّاحقة (وجدت وسط الخواء في داخلي / أمواجا من الذّكرى تمرّغ ساحلي / فتكتب لك مجلّدات كتماني ..). وكأنّي بالصّراع آنيّ يمزج بين التّخلّي والتّقارب، وتوهّم الشّاعر حرّيّته بل خاف منها. فما الخواء الدّاخليّ سوى غربة عن الذّات وبفعلها تنتفي الحرّيّة، ويتلاشى التّصالح مع الذّات. وأمواج الذّكرى لحظة الحضور الّذي لا ينقطع ولا يغادر ذهن الشّاعر. فالذّكرى هنا أقوى من استحضار لحادث ما. إنّها الحضور الدّائم غير المفارق لحضور الشّاعر. وما الكتابة إلّا فعل محاكاة عشقيّة بين المحبوب والحبيب (تشي إليك زيف ادّعائي / تعبئ بالصّوت صمت ندائي).
في الجزء الثّاني من النّصّ ينكشف لنا استقرار الشّاعر إذ تشبه سطوره زهرة تتفتّح في مطلع الرّبيع بعد زمن من الانطواء. وفي ذات الوقت تبيّن لنا عمق الشّاعر المسكون بالحبيبة. (وتطلين باللّون آه تسلّلت / خلسة من جوف صدري). وبالتّالي فالانعتاق غير ممكن، وهل من ينفصل عن ذاته؟
إطلالة الحبيبة شعاع ينبعث من داخل الشّاعر كحقيقة تضعه أمام كيانه لتحقّق له السّكينة والاطمئنان. (فتفضح أمري / بأنّي ما بارحت سعير احتراقي / وما رممت ثقوب اختراقي ..). وإذ تنكشف الحقيقة، وينجلي الصّراع الدّاخلي، يعترف الشّاعر بحرّيّة العشق المغايرة للمفهوم التّقليدي للحرّيّة. "أحبّ إذن أنا حرّ" (وما كنت يوما أظنّ أن .. / استعبادي في العشق ../ارحم من هول انعتاقي !!). فالاستعباد يأتي في سياق ملاقاة الذّات والتّصالح معها ومعرفتها انطلاقاً من المحبوب.



  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق