الخميس، 19 يناير 2017

كان لنا قلبان



مادونا عسكر/ لبنان
بالأمس كان لنا قلبان يبحثان في العالم عن ظلال السّماء. ينظران مع كلّ إشراقة إصباح همس الكون يتجلّى ندى رقراقاً، على ربى فتيّة، ويصغيان غروباً إلى وقع النّسيم على أهداب الرّمال.
بالأمس كان لنا قلبان يغرّدان على أغصان الزّمن أنشودة الحبّ، فتتسرّب الأنغام إلى أعماق الأرض تتوارى فيها، تمكث هانئة، وتنتظر أولى عبرات السّماء. وما إن تهلّ، حتّى تعبّ دفأها، تروي غلّتها القديمة، وترتفع من لبّ الأرض أرزة شامخة تصافح أنامل الرّبّ.
بالأمس كان لنا قلبان يصغيان إلى شدو النّسّاك في الأودية، يدعون إله الحبّ أن يتحنّن، ويجدّد أبداً لقاءً في البدء كان يتأرجح على المياه، كالرّوح المعزّي يهدهد للخليقة كي تغفو هانئة في مهد الملائكة.
بالأمس كان لنا قلبان يتمتمان الحبّ بحروف ناقصة، ويلامسان سنا الله بأنامل مرتجفة...
 أمّا اليوم، فلنا قلب واحد، يولد كلّ حين في قلب العليّ، يستمدّ من شعلته المتّقدة بذاتها قصائد لا تنتهي... حروفها من نور، ومعانيها من نار، تعصف كريح في أقطار الأرض الأربعة، تبدّل معالمها، وتحوّلها واحدة.. بيضاء، تحيط بها أنهار تفيض بلا انقطاع.
لنا قلب، يدرك أنّه ما لم يكتوِ بنار الشّعلة ويضطرم بلهيبها، يبق سراباً في خيال الوجدِ. 
لنا قلب، لامس السّرّ، وعاين الحقّ في مرآة الوجود، ولا يطمح إلّا إلى أبديّة غنّاء، حيث التّماهي الكامل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق