الاثنين، 27 فبراير 2017

الحبّ التّفاعلي بين الحبّ والامتلاء


مادونا عسكر/ لبنان

قراءة في قصيدة:  للشاعر التّونسي يوسف الهمامي

أولاً- النّص:
أبتسمُ الآن
أكْـتُمُك داخلي
ولا أسرّ لشهوتي بك
خشية انسكاب رحيق
أو انفلات وهج
أو إذاعة نفس شارد..
...

أُنِيّمُك بجانبي الأيمن
أُوسّدك حرير روحي
أضمّك بحفيف الشّهوة البكر
أُغطّيك بطرواة الماء ...
...

أنت كثير فيّ...
مَرِّرْنِي إلى قارَّتك الوسطى
حتى أتشهّد..
...

كأنّك من أسماء حزني الحسنى ...
كأنّك من لاجئي روح المرايا...
من أنت؟؟
حتى لا أدعي أنّك أنا
...
من أنت أيّها الطَيِّبُ النَّكرَة ؟..
أراك تنزل إلى السّماء
تصعد إلى الارض متماهيا معي..
...

ما اسمك ؟
صمتُ الحجر جرى
في صراط النّهر مع التّسابيح
حتّى خشع له المجرى،،
فادخل الصّلاة إذن ..
ادخل الميثاق ..
احتشدْ في الضّوضاء السّاكنة
حتّى حضور الغيب،،


ثانياً- القراءة:
"كلماتنا لا تنطقنا عن هوى، إنّما عن نبوءات ووحي. كلماتنا تحمل مفاتيح أبواب الغيب، حيثما قالتنا تدقّنا أبواب اليقين.  لا عالم يفتح مصراعيك خارجنا. نحن امتداد أبديّ بلا حدود، نحن سعة الملكوت." (يوسف الهمامي).
الكلمة النّاطقة سرّ الشّاعر يوسف الهمامي، وهي الّتي تطوّعه وتسكب في عمقه وجدانها وفحواها، فتتجلّى القصيدة محراباً يدخله الشّاعر متأمّلاً، غارقاً في قدسيّته حتّى ينكشف للقارئ سرّ أسرار القصيدة.
- الآنيّة اللّحظيّة/ توحّد وامتلاء.
تمثّل الآنيّة في افتتاحيّة القصيدة لحظة الوحي الشّعريّ  المنسكب في ذات الشّاعر الّذي بدوره ينفتح على نوره ليتلو أوّل الوحي (أبتسم الآن). كما أنّ هذه الآنيّة لا تعبّر عن الزّمان القائم بين السّابق واللّاحق، وإنّما هي اللّحظة المتفلّتة من الزّمان والمكان والخارجة عنهما. لذا فنحن أمام  نصّ يرتقي عن المحسوسات ويدخل القارئ في دائرة النّور الشّعريّ. وكلّما ارتفع تمكّن من الغوص في أعماق القصيدة ليرتشف الجمال ويراه حتّى وإن كان لا ينظره. في هذه اللّحظة الحاضرة بكلّ جمالها ونقائها وسكينتها، يعبّ الشّاعر دفء الحبّ/ الشّخص ويمتلئ منه حدّ الالتحام (أكْـتُمُك داخلي). يكتم الشّاعر شخص الحبّ في داخله لا ليسجنه وإنّما ليمتلئ منه وينغمس به، فيمسي الحبّ هو النّاطق على لسان الشّاعر.
(أكْـتُمُك داخلي
ولا أسرّ لشهوتي بك
خشية انسكاب رحيق
أو انفلات وهج
أو إذاعة نفس شارد..)
الكتمان المرافق للصّمت (ولا أسرّ شهوتي)، ينبئ بارتحال في حنايا الذّات الخفيّة برفقة الحبّ/ الشّخص. وإن دلّت عبارة (لا أسرّ) على أمر فهي تشير إلى الصّمت التّأمّلي الأبلغ من الكلام. فالكلمات في هذه اللّحظة تقلّل من الانسجام العشقيّ الدّاخليّ ولا ترتقي إلى مستوى قدسيّته. (خشية انسكاب رحيق/ أو انفلات وهج/أو إذاعة نفس شارد..). كأنّي بالشّاعر استحال هيكلاً للحبّ، يكتمه في عمق أعماقه، وينعزل كي ينصهر به ويؤلّف وإيّاه وحدة كاملة متكاملة.

- الامتلاء حبّ فاعل:

ذكرنا أنّ الشّاعر لا يكتم الحبّ في داخله كنوع من الاستئثار أو الأنانيّة. نستدلّ على ذلك من خلال انتقاله إلى الحبّ الفاعل:
(أُنِيّمُك بجانبي الأيمن
أُوسّدك حرير روحي
أضمّك بحفيف الشّهوة البكر
أُغطّيك بطرواة الماء ...)
تشير الأفعال (أنيّمك/ أوسّدك/ أضمّك/ أغطّيك) إلى حركة الحبّ التّفاعليّ بين الشّاعر والمحبوب، ويتدرّج الفعل برفق ورقّة لترتسم الحالة العشقيّة المؤثّرة في نفس الشّاعر والمنتقلة به إلى الاهتمام بالمحبوب اهتماماً خاصّاً (أنيّمك بجانبي الأيمن). لليمين دلالة البركة والسّلام، ما يمنح هذا الاهتمام طابعاً قدسيّاً روحيّاً يفرط من خلاله الشّاعر بالاعتناء بالمحبوب (أوسّدك حرير روحي/ أضمّك بحفيف الشّهوة البكر/ أغطّيك بطراوة الماء). وهنا يتداخل المحسوس مع الرّوحي (حرير/ حفيف/ طراوة) لتتأكّد حقيقة اللّقاء العشقي المنافية للخيال والوهم. فالشّاعر أمام حقيقة روحيّة ملموسة لا لبس فيها. إلّأ إنّه في لحظته الآنيّة يشهد لحظة الخلق العشقي (الشّهوة البكر) الّتي تدلّ على اللّقاء الأوّل، حالة الحبّ الأولى.  ما تشرحه السّطور التّالية الّتي نشهد فيها انبلاج صوت المحبوب:
(أنت كثير فيّ...
مَرِّرْنِي إلى قارَّتك الوسطى
حتى أتشهّد..)
هذا اللّقاء الرّوحي القدّسيّ المنغمس في الوحدة/ union  يهيّئ للامتزاج  بالنّور الإلهيّ (حتّى أتشّهد).  
التشّهد كفعل إعلان الانتماء لله والاعتراف اليقينيّ به، أو تسبيحه ونمجيده يعكس صورة هذا اللّقاء العشقيّ المنبثق من السّماء والعائد إليه. فتتشكّل دائرة العشق اللّامتناهي الّتي تتجذّر فيها الوحدة وتظلّ محلّقة سابحة فيها إلى ما لا نهاية.

- دهشة السّؤال في حضرة الحقيقة:
في لحظة خاطفة يرتقي الشّاعر سلّم الوعي المتأمّل أمام حقيقة تجلّت بكلّ أنوارها وأسرارها. يتلمّس خيوط المعنى، منقاداً بالدّهشة والألم والخشوع.
(كأنك من أسماء حزني الحسنى...
كأنك من لاجئي روح المرايا...)
يتكرّر حرف النّصب (كأنّ) ليعزّز معنى المعرفة أو تلمّسها، ويترجم حالة الشّاعر التّأمّليّة الذّهنيّة والرّوحيّة. يحاول أن يغوص في المعرفة حتّى يبلغ تمامها ويدور في هذا التّأمّل القدسي (أسماء حزني الحسنى)، فيرتقي بحزنه إلى عالم الكمال ليمنح الحزن طابعاً إلهيّاً. ما يشير إلى الوعي الضّمني أنّ ما هو مقبل عليه مؤلم حتّى الفرح على الرّغم من مهابة الحقيقة وجلالتها.
(من أنت؟) سؤال الدّهشة لا الاستفهام. وهو بمثابة نتيجة للتّأمّل، كما قدّيس في حضرة النّور الإلهي، يعاين، يندهش، يصمت، يتأمّل ثمّ يسأل (من أنت؟)، كتعبير عن انتشاء من نعيم النّور. سؤال الدّهشة يلقى جوابه في عمق الشّاعر الماثل أمام الحقيقة (حتى لا أدعي انك أنا...). ليس من نفيٍ لحقيقة الأنا- أنت في هذه العبارة بل امتلاك الشّاعر لفضيلة التّواضع وخشوعه أمام نعمة الاتّحاد بين الأنا- أنت. وكأنّي به يستزيد معرفة بالسّؤال ويبتغي الولوج في هذا السّر الاتّحاديّ.
(من أنت أيها الطَيِّبُ النَّكرَة؟..
أراك تنزل إلى السماء
تصعد إلى الأرض متماهيا معي..)
الشّاعر غارق في رؤيا، يدلّنا عليها تضارب المعاني والدّلالات (الطّيب النّكرة/ النّزول إلى السّماء/ الصّعود إلى الأرض). ويتبيّن للقارئ خروج الشّاعر عن الزّمنيّة والمكانيّة، ليدخل في سرّ الرّؤيا منفصلاً عن العالم تمام الانفصال. فالطّيب معروف عند الشّاعر وحده، والسّماء والأرض متماهيتان حدّ ظهور سماء جديدة متحوّلة يعاينها الشّاعر وينصهر بالدّهشة أكثر. (ما اسمك؟)
للاسم أهميّة كبيرة في تأمّل الشّاعر، فالاسم مرادف للشّخص، ويعبّر عنه ويكشف كيانه. تدرّج سؤال الدّهشة (من أنت/ ما اسمك) حتّى بلغ شاعرنا صفاء البصيرة وتمام النّقاء استعداداً للعيش في ظلّ الحقيقة مع استمراريّة اكتشافها.
(صمتُ الحجر جرى
في صراط النّهر مع التّسابيح
حتى خشع له المجرى،،
فادخل الصّلاة إذن
ادخل الميثاق ..
احتشدْ في الضوضاء السّاكنة
حتّى حضور الغيب،،)
حقيقة حرّكت ركوداً ما في ذات الشّاعر، وخرج عن الكلام ليلج الصّمت والصّلاة في حضور الأنا- أنت، الوعد (الميثاق) الأزليّ الأبديّ. وما علامة التّرقيم (،،) إلّا انفتاح على هذا الغيب المنتظر وإعلان عن ظمأ وشوق إلى القصيدة الّتي لم ولن تنتهي.








السبت، 18 فبراير 2017

عشر سنوات من الرصانة والاتزان في رحاب "المثقف"

مادونا عسكر/ لبنان

يرتكز نجاح الإعلام في رسالته على التّنوّع الفكري والثّقافي، وعلى مدى استيعابه للأفكار المتجدّدة واحترامها بغضّ النّظر عن تبنّيها أو لا،  كي يبلغ هدفه في بناء الحضارة الثّقافيّة. كما أنّ الإعلام النّاجح يعتمد على الرّصانة واحترام القارئ من جهة كيفيّة عرض المادّة واستخدامها في سبيل الاستنارة العقليّة، ومحاربة الجهل. ويزدهر الفكر الإعلامي بجسده المؤلّف من أعضاء يتكاملون من خلال عرض أعمالهم الإبداعيّة فيظهر الإبداع الجماعيّ دون أن يمسّ بإبداع الفرد. وبالتّالي تنشأ وحدة مشروع ثقافيّ في الجسم الواحد، تتشعّب  مواضيعه وإنجازاته لتطال المجتمع بأكلمه، فيغتني ويتطوّر وينمو.
ولمّا كانت صحيفة المثقّف رائدة في احتضان الفكر، واحترام تنوّعه، استحقّت حضورها الرّاقي  في الوسط الأدبي، وارتقت إلى مستوى الحصافة والرّزانة ما جعل منها ملتقىً لأدباء وكتّاب ذي رصانة واتّزان فكريّ وأدبيّ. وما أشعرنا بالاعتزاز والفخر كوننا ننتمي إلى هذه المؤسّسة الرّاقية.
ما تقدّمه صحيفة المثقّف من مواضيع شتّى وأبواب مختلفة لكتّاب من مختلف الجنسيّات والانتماءات، أعطاها امتياز الفكر الحرّ والمنفتح الّذي يمنح القارئ آفاقاً واسعة، تسهم في استنارة العقل، وسموّ المنطق، وارتقاء النّفس.
لقد شكّل الرقم ( 10) في العالم القديم رمزاً للكمال، إذ جمع بين العالم السّماويّ والعالم الأرضي. ولعلّ السّنة العاشرة لتأسيس صحيفة المثقّف تمهّد لمزيد من التّقدّم والازدهار، وتؤسّس لحضارة أدبيّة وثقافيّة تبني من خلالها مستقبلاً أفضل لأجيال تتوق إلى المعرفة. فإلى سنين عديدة من التّقدّم والاستمراريّة والنّجاح، راجين لكم الصّدارة والرّيادة دائماً.



المرأة كائن مقدّس


مادونا عسكر/ لبنان
إذا كان الحديث عن استمراريّة المرأة في بحثها ونضالها من أجل حقوقها البديهيّة في شرقنا المسكين معيباً، فكيف إذا تكلّمنا عن سبيٍ للنّساء في عصر أقلّ ما يقال فيه أنّه عصر الانحطاط. وفي ظلّ صمت لا أخلاقيّ سواء أكان من الطّبقة الدّينيّة المعنيّة ببذل قصارى الجهود للحؤول دون حدوث هذه الجريمة، أم من المؤسّسات المعنيّة بحقوق الإنسان والمرأة، تبقى بضع كلمات متواضعة تحاول الإسهام في نشر الوعي قدر الإمكان كي لا يشهد مستقبل أبنائنا عاراً كالّذي نعيشه اليوم.
وبغض النّظر عن تاريخيّة سبي النّساء وعمّا إذا كان هذا الموضوع يرتكز على نصوص دينيّة وفذلكات تفنّد بنود الشّريعة وتجتهد لفرض قناعة ما خلاصتها أنّ السّبي تشربع إلهي يصبّ في مصلحة المرأة. ينبغي أن نبحث جدّياً في الأسباب الّتي تمنح الإنسان هذه القدرة على استضعاف المرأة واعتبارها مجرّد سلعة يمتلكها متى يشاء، ويعتدي عليها وعلى كرامتها الإنسانيّة نصرة للحق!
الأسباب عديدة وتنقسم بين مباشرة وغير مباشرة، وتساعدنا على فهم تقريبيّ لطريقة تفكير مجموعة من اللّصوص والمجرمين نثرتهم في شرقنا يد لعينة، ومنحتهم سلطة مطلقة ولو إلى حين، فأطلقوا العنان لوحشيّتهم وظلاميّة نفوسهم. فتسرّبوا كالوباء وأطاحوا بالأخلاقيّات والقيم وتطاولوا على الله باستعبادهم وقتلهم للإنسان. ومن الأسباب المباشرة الّتي توقظ الوحش فينا وتنمّيه وتطلقه في المجتمعات هي تلك الأساليب التّربويّة المقيتة الّتي تدعو إلى اعتبار المرأة كائنا ضعيفا ومنحطا، لا ينفع إلّا للخدمة. والتّي تعتبر المرأة مجرّد آلة للاستمتاع وإشباع رغبات الرّجل. فالتّربية أساس كلّ سلوك إنسانيّ وهي الّتي ترسّخ في داخله معتقدات ومفاهيم إمّا تساهم في بنيانه وبالتّالي بناء المجتمع وإمّا في تدميره وبالتّالي تدمير كلّ كيان إنسانيّ في المجتمع.
وهذا النّوع من التّربية شائع في مجتمعنا العربي سيّما أنّه مدعّم بالشّروحات الدّينية الّتي تارّة تتحدّث عن تكريم المرأة وطوراً عن تحجيمها وانتهاك كرامتها الإنسانيّة وإن بقالب دينيّ منمّق ولطيف يصبّ في مصلحتها والحرص على دخولها الجنّة!
وأمّا الهدف الأساسي من هذا المقال، فهو البحث عن حلول أو بمعنى أصح، تسليط الضّوء على سلبيّات عدّة إن تمّت معالجتها ساعدنا الأجيال المقبلة على احترام المرأة ككائن مخلوق على صورة الله ومثاله، وحافظنا عليها كإنسان هو كلّ المجتمع وليس نصفه. فتلك الّتي تحمل في أحشائها الحياة وتموت عن ذاتها لتمنحها للعالم، لا بدّ أنّها كائن مقدّس.
  يمكن الحديث عن ثلاث نقاط أساسيّة تحفظ للمرأة كرامتها الإنسانيّة، وتعزّز قيمتها كفرد فاعل ومثمر في المجتمع.
1- التّربية على أنّ المرأة كائن مقدّس:
المرأة إنسان مخلوق على صورة الله ومثاله وبالتالي فهي تحمل في قيمتها الكرامة والاحترام. ولقد منحها الله أن تعطي الحياة فتحملها في داخلها وتنميها وترعاها من قبل أن تهبها. ثمّ تنقص هي لتنمو هذه الحياة وتثمر. من هنا وجب على المربّين أن يثابروا على نشر هذا الوعي وترسيخه في النّفوس حتّى تتحوّل ثقافة مجتمعاتنا من ثقافة استعباد المرأة واعتبارها درجة ثانية إلى ثقافة احترام كرامة المرأة.
2- تطوير التّربية الدّينيّة:
والكلام عن التّطوير نعني به، إعادة قراءة النّصوص الكتابيّة وإخراجها من قوقعة حرفيّتها. ثمّ استبعاد كلّ نص ديني يشير من قريب أو بعيد إلى انتهاك كرامة المرأة. فسبي النّساء ارتكز على نصوص دينيّة، أضف العظات الدّينيّة المحرّضة على هذا الأمر. فرجال الدّين بأغلبيّتهم يتصرّفون بحسب خوفهم على ذكوريّتهم وسلطتهم الذّكوريّة. وبعضهم يخاف أن يناقش هذا الأمر كي لا يقع في المحظور ويهين الإله!...
3- حماية المرأة:

لن نناشد منظمة حقوق الإنسان أو حقوق المرأة، أو المنظّمات المعنية بحماية حقوقها لأنّه اتّضح أنّها بدعة كبيرة لا تجيد غير الكلام. ولن نعوّل كثيراً على الطّبقة الدّينيّة التي تتحفنا بعظات الخوف من فتنة المرأة لأنّها لا ترى  فيها إلّا هيكلها الخارجيّ. وإنّما نشدّد على التّربية الوالدية القائمة على احترام المرأة كإنسان وتشجيعها على الاستقلاليّة وتحفيز ثقتها بنفسها حتّى إذا ما خرجت إلى المجتمع قويّة وواثقة من نفسها ساهمت في تطوير هذا المجتمع وبنائه كما ينبغي للمجتمعات والأوطان أن تبنى. وأعدّت بنفسها قوانين ترعى حقوقها وتحمي شؤونها وتحفظ كرامتها. 

http://www.almothaqaf.com/alias-woman-day-4/890688.html

المرأة والعمل السّياسيّ


مادونا عسكر/لبنان
تواجه المرأة اليوم في ظلّ التّغييرات السّياسيّة المحيطة بنا، تحدّيات جمّة تحول بينها وبين الانخراط في العمل السّياسيّ. ولعلّه من المؤسف والمحزن التّحدّث عن عراقيل وعوائق تحول بينها وبين حقّها في ممارسة هذا العمل، إذ إنّها وبعد مثابرتها الدّؤوبة على نيل حقوقها، ما زالت تعاني من تهميش كبير إن على المستوى الاجتماعيّ أو والفكريّ أو والسّياسيّ. ولئن كانت بعض دولنا في المجتمع العربي قد أتاحت للمرأة خوض غمار العمل الاجتماعيّ ورفعت من شأنها معتبرة إيّاها النّصف الثّاني الفعّال في المجتمع،  فإنّ البعض الآخر ما زال يهمّشها، بل ويعود بها إلى عصور مقيتة اعتُبرت فيها المرأة مجرّد خادمة أو جارية، لا تصلح إلّا للخدمة والمتعة. وعلى الرّغم من إقرار البعض بحقّها الإنسانيّ في إبراز طاقاتها الفكريّة والعلميّة، فإنّها ما برحت تناضل في سبيل الحفاظ على هذا الحقّ وترزح تحت نير الجهل والاستعباد، وتشهد غالباً صراعاً ضدّ المجتمع الذّكوريّ الّذي يخاف  فقدان سلطته إذا ما وصلت المرأة إلى تحقيق جميع أهدافها.
لقد أتاحت الثّورات الّتي مرّ بها عالمنا العربي مجالاً للمرأة لتثور هي أيضاً وتخرج من تقوقعها وتعبّر عن مطالبها وآرائها، ولكن ما لبثت أن عادت لتواجه وباء الحركات الدّينيّة المتشدّدة الّذي يكاد يعيدها إلى عصور الجاهليّة، وبالتّالي إلى نقطة الصّفر في البحث عن حرّيتها والمناضلة في سبيل الحصول على حقوقها. بالأمس ناضلت المرأة في سبيل تحقيق بعض من أهدافها، واليوم هي بصدد مقاومة من ينوي  انتزاع حقوقها منها. ولذلك فإنّ التّحدّيات كثيرة، ولعلّ أهمّ ما تسعى إليه المرأة اليوم هو انخراطها في العمل السّياسيّ.
إنّ العمل السّياسيّ بكلّ ما يتطلّبه من حكمة ودراية ومعرفة وثقافة وجهد، ليس حكراً على الرّجل وحده،  فالمرأة اليوم قطعت شوطاً كبيراً يمكّنها من دخول المعترك السّياسيّ، والولوج في القضايا الّتي تتطلّب الكثير من الرّويّة والحكمة. وفي عالمنا العربيّ سيّدات مفكّرات ومثقّفات، يستطعن أن يبدّلن ملامح أوطاننا الرّازحة تحت نير الجهل والعنصريّة والتقوقع، إلّا أنّ المرأة بشكل عام ما زالت بحاجة إلى التّثقيف والدّعم والمساندة. وإذا انتظرت من الرّجل فيما مضى أن يدعمها ويحرّرها ويطلقها في المجتمع كإنسان، لها حقّ مقدّس في التعبير عن ذاتها وتحقيق أهدافها،  فيجب اليوم ألا تنتظر منه ذلك. فهي، وبعد مثابرتها الطّويلة على الانخراط في المجتمع بشكل فعّال، عليها أن تلتزم  جدّياً بتثقيف ذاتها وتأهيلها لتولّي المهامّ السياسيّة زعيمة ومسؤولة في أعلى مراكز السّلطة والقرار...
ترتكز هذه المساندة على عدّة عوامل تمكّن المرأة من خوض الغمار السّياسيّ بثقة متحمّلة مسؤوليّة قراراتها. أهمّ هذه العوامل:
- أولاً: العامل التّربويّ:
إنّ التّربية هي نقطة الانطلاق الّتي نبدأ منها حتّى نصل إلى تكوين شخصيّة المرأة وبنائها على أسس متينة تمكّن المرأة من الاندماج في المجتمع، وتحديد أهدافها وممارسة حقوقها وواجباتها. والنّقطة الأهمّ في التّربية والّتي ترتكز عليها كلّ مقوّمات السّلوك السّليم، هي تربية المرأة على أنّها إنسان أوّلاً، وأنّ إنسانيّتها  ذات قيمة تشكّل جزءاً مهمّاً من تقدّم المجتمع وتطويره.
إنّ الوعي الإنسانيّ عند المرأة  بأنّها قيمة هو الّذي يجعلها تتبيّن حقوقها وواجباتها، وهو الّذي يمكّنها من احترام ذاتها كقيمة إنسانيّة فتصقلها وتثقّفها، وبالتّالي متى انخرطت في المجتمع وتبيّنت ثغراته استطاعت أن تعالجها بحكمة واتّزان. كما أنّ وعيها الإنسانيّ يبيّن لها مساواتها مع الرّجل من حيث حقّها السياسيّ والاجتماعيّ. ولا نتكلّم هنا عن مساواة عبثيّة، بل عن حقّ يمنح لها كما يمنح للرّجل دون تمييز. وطبقاً لهذه المساواة لا تشعر المرأة أنّها دون الرّجل منزلة، فتخرج من دائرة الصّراع ضدّه، لأنّ هذا الصّراع  يحول بينها وبين تقدّمها، ويؤخّر نشاطها، ويلهيها عن إنجازات عدّة وعن أهدافها الكبرى.
إنّ التّربية السّليمة تتضمّن بشكل أساسي السّماح للمرأة بالتّعبير عن رأيها واتّخاذ القرار وتحمّل مسؤوليّته،  والسّماح لها باختبار حياتها الإنسانيّة وتوجيهها كي تتكوّن لديها شخصيّة مستقلّة وخبرة حياتيّة تخوّل لها تبيان صوابيّة الأمور.
- ثانياً: العمل التّعليميّ:
إنّ دور المؤسّسات التّعليميّة لا يقتصر على تلقين المناهج وحسب، وإنّما يساهم في صقل شخصيّة الطّالب والطّالبة وزرع القيم والمبادئ الإنسانيّة فيهما، على أن تثمر لاحقاً فكراً مستنيراً وخلّاقاً. ويأتي دور المؤسّسات التّعليميّة في المقام الأوّل في ترسيخ  القيمة الإنسانيّة لدى الطّلاب وتعزيز النظرة إلى  المرأة باعتبارها قيمة إنسانيّة قبل أن تكون قيمة أنثويّة، وبأنّها كيان أساسيّ ذو حقوق وجب احترامها. ويتمثّل دور المؤسسات التعليمية في المقام الثّاني في تغذية المرأة بالمعرفة وتدريبها على التّحليل والاختبار قبل تلقين المعلومات، حتّى تكون قادرة على أن تكون شخصيّة مستقلّة مبدعة ومشاركة في العمل السياسيّ في مختلف الرّتب والمجالات.
إنّها حين تبلغ هذا القدر المطلوب من الوعي السياسيّ والمدنيّ، تصبح جاهزة لاتّخاذ القرارات المناسبة وهي تتولّى المسؤوليات السياسيّة، في إطار التّوازن بين مجتمعها العائليّ والآخر العمليّ، فتكون  مواطنة ذات كفاءة ورصانة، قادرة على تحقيق ذاتها دون أن تغلّب حقّها على واجبها.  واتّخاذ القرار يتطلّب شجاعة وحكمة وتبصّر، خاصّة إذا ما كان بهدف التّغيير، وما لم تتدرّب المرأة على تلك العناصر الثّلاثة فلن تكون مهيّأة لخوض غمار العمل السياسي، ولا أيّ عمل آخر.
إنّ العمل السّياسيّ، خاصّة في وطننا العربي، يحتاج إلى إعادة تأهيل، لأنّه لم يعد يقوم على أهداف سّياسة، أي على مفهوم للسياسة يجعلها  فنّ الممكن، وخدمة للوطن، بل أصبح مقتصراً على الصّفقات والمصالح الشّخصيّة وإثبات النّفوذ. وهذا تحدٍّ آخر يضاف إلى تحدّيات المرأة في العمل السّياسيّ، إذ إنّه ينبغي عليها أن تحمل التّغيير إلى وطنها فتبدّل الوضع القائم، وتعيد للعمل السّياسيّ مقامه الرّفيع والنّبيل.
- ثالثاً: العامل الإعلاميّ:
  الإعلام بما يمثّله من دور عظيم في التّوجيه والإرشاد  وإيصال المعلومات والثّقافات، يبقى مقصّراً بشكل عام في تطوير ثقافة مجتمعاتنا العربيّة وتقدّمها، وذلك لأنّه يتّخذ وجهة سياسيّة معيّنة، كما أنّه بأغلبه موجّه دينياً واجتماعيّاً وفكريّاً، ولم يعد يؤدّي مهامه وأهدافه بشكل شموليّ. وفيما يخصّ توجيه المرأة وتثقيفها، فنكاد لا نشهد إلّا قلّة قليلة جدّاً تجاهد في هذا الموضوع. فإعلامنا بأغلبه يقتصر إمّا على التّوجيه الدّينيّ المتشدّد، وإمّا على التّحريض الطّائفي والمذهبيّ ولا سيّما السّياسيّ، وإمّا على المسلسلات الّتي تنقل لنا واقع مجتمعات لا تمتّ إلينا بصلة. ناهيك عن إلهائنا بالموضة وكيفيّة إجراء عمليّات التّجميل إلى ما هنالك من سخافات لا ترسّخ ثقافة إبداعيّة ولا تعزّز الدّور الأدبيّ والفكريّ والاجتماعيّ للمرأة، كما أنّه ما زال يظهر المرأة كسلعة تجاريّة واستهلاكية. وقد تساهم المرأة في ذلك من خلال مجاراتها في تقديم برامج بعيدة عمّا يسهم في تطوير المرأة بشكل عام وتثقيفها وإرشادها. حتّى وإن وجدت قنوات خاصّة بالمرأة، فهي لا تأتينا إلّا بالشّحيح من المواضيع الثّقافيّة والعلميّة وتكتفي بالبرامج الّتي هي ما دون المستوى المطلوب، إن على المستوى الفكريّ أو الاجتماعيّ أو الثّقافيّ. وحتّى لو توجّهنا إلى العالم الإلكترونيّ ووسائل التّواصل الاجتماعيّ والمواقع الإلكترونيّة فهي أيضاً مطالبة بمقاومة عواصف الجهل والتّعصّب والتّخلّف. كذلك السّعي إلى توجيه المرأة في شتّى المجالات الفكرية والثّقافيّة، وإعادة إحياء ثقافتنا الغنيّة بالأدب والفكر والعلم.
بناء على هذه العوامل الثّلاثة، وانطلاقاً من تأديتها لمهامها الّتي تندرح في إطار التّوعيّة وتعزيز الثّقافة لدى المرأة، سيكون باستطاعة المرأة الانخراط في العمل السّياسيّ من حيث تحديد أهدافها الّتي تصبو إلى التّغيير، ثمّ العمل عليها بشكل جدّيّ وحرّ دون الانزلاق في أفخاخ المصالح السّياسيّة،  مع السّعي للوصول إلى مراكز القرار. والمطلوب  من المرأة كي تتمكّن من إثبات حضورها وفعاليّة عملها، أربعة أمور أساسيّة:
- الأمر الأوّل: ثورة نسائيّة حقيقيّة، والحديث هنا عن ثورة فكريّة وعمليّة، وليس ثورة في الشّارع، فقلّما تأتي ثورة الشّارع بنتائج سليمة. المطلوب ثورة "داخليّة" على المستوى الشّخصيّ والاجتماعي في شتّى الأماكن الّتي تشغلها المرأة. هذه الثّورة الفكريّة والعمليّة ستؤسّس لنهضة تبنى عليها كلّ أهداف المرأة، ومن خلالها وبعد تحقيق الأهداف تتمكّن المرأة من الانخراط في العمل السّياسيّ بهدف الإصلاح وإنقاذ أوطاننا من الحال الّتي بتنا عليها.
- الأمر الثّاني: عدم السّماح بالانزلاق في أفخاخ المهاترات السّياسيّة، واستخدام ورقة حقّ المرأة في خوض المعارك السّياسيّة، كالانتخابات النّيابيّة والنّقابيّة... فكثيراً ما نسمع عمّن يناشدون بحقّ المرأة ويطالبون به في مواسم معيّنة وظروف محدّدة وبعد ذلك يتغاضون عن ذلك إلى أن يأتي موسم جديد.
- الأمر الثّالث: إنهاء الصّراع ضدّ الرّجل، فهو  يعطّل المسيرة نحو الهدف الأساسيّ، وقد يدخلها في متاهات هي بغنىً عنها. وحتّى منافسة الرّجل، فهي تتطلّب مناخاً محدّداً، أي قوانين تشكّل لا رادعا للرّجل  وحسب وإنّما  لترعى حقّ المرأة باعتبارها طرفا أساسيّا في الحياة المدنيّة والسياسيّة، تتمتّع بالحقّ الكامل في ممارسة أيّ نشاط فكريّ أو سياسيّ، وتولّي أيّ  خطّة أو منصب من المناصب العليا في الدّولة.
- الأمر الرّابع:  عدم استجداء حرّيّتها وحقّها من الرّجل. من المهمّ أن نرى كوكبة من الرّجال المثقّفين الّذين يحترمون المرأة كإنسان أوّلاً، ومن الجيّد أن نشهد لهم مشاركة وحثّ المجتمع على  منحها حقّها كاملا  في ممارسة العمل السّياسيّ، إلّا أنّ على المرأة أن تسعى إلى هذا الحقّ وأن تناضل في سبيله بنفسها وبقدراتها الثّقافيّة والفكريّة. فالحرّيّة والحقّ لا يُمنحان وإنّما هما استحقاق يتحصّل عليهما الإنسان بشكل عام من خلال المثابرة وبذل الجهود وإظهار الكفاءة وإثبات الجدارة..
لقد انتظر "فيكتور هوغو" من المرأة أن تنهي الحروب، ونحن اليوم ننتظر من المرأة أن تبدّل معالم أوطاننا الّتي شوّهها الجهل وقلّة الوعي. بل نتطلّع إلى مستقبل زاهر لأوطاننا إذا ما وثقنا بنساء رائدات، وحاملات لمنارة الفكر الحرّ والعقل الواسع الآفاق، وواثقات بأنفسهنّ. فالمرأة كائن يحمل في ذاته طاقة عقليّة وطاقة عاطفيّة معاً، تمكّنها الأولى من إدارة الأمور بحكمة واتّزان، وتشترك الثّانية في ازدهار الحياة برفق ولين، نابذة العنصريّة والتّعصّب والانفراد  بالرّأي والسّلطة.


الكتابة النسويّة وسلطة الجسد


مادونا عسكر/ لبنان
الكتابة فنّ التّعبير عن الذّات وعن الآخر،  فعل حرّ غير خاضع لأيّة قيود يمكنها أن تحول دون تحقيق الذّات. وبالحديث عن كتابة نسويّة ننفي عن هذا الفنّ قيمة الحرّيّة. فالكتابة هي الكتابة سواء أكان الكاتب رجلاً أو امرأة، مع فارق الخصوصيّة على المستوى الإبداعي والخبرة الإنسانيّة. إلّا أنّه في شرقنا المسكين ما زلنا نفرّق بين الرّجل والمرأة على المستوى الإنسانيّ وبالتالي الاجتماعيّ والثّقافي. وما يُسمح به للرّجل ليس متاحاً للمرأة. وإذا أرادت المرأة خوض غمار الكتابة عليها الالتزام بقواعد صارمة تجبرها على الانصياع لعادات وتقاليد بالية، والخضوع لفكر راكد يخشى نور الفكر الحرّ.
المرأة كائن يخضع للتّجربة الإنسانيّة والاختبار الحياتيّ بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لكنّ المحيط العائلي والاجتماعي والتّربويّ والدّينيّ يقمع بشكل أو بآخر قدرتها على النّموّ. ما يحول بينها وبين التّعبير عن هواجسها وأفكارها. ولقد هيأ الدّين بشكل أساسيّ لهذا القمع من خلال قراءات خاطئة عن حضورها كدرجة ثانية. ما أسّس إلى استسلام من طرفها للمعتقدات الّتي تقمع حرّيّتها من جهة، ومن جهة أخرى تأسرها في سجن الأنثويّة بغضّ النّظر عن كيانها الإنسانيّ الّذي هو قيمة بحدّ ذاته.  فعاشت في هذا السّجن كأنثى وغفلت عن تحقيق ذاتها كامرأة.
هواجس المرأة الإنسان عديدة وأهمّها هاجس الجسد الّذي طالما أوعز له الإثم والخطيئة. فاستحال تعبيرها عنه إبداعيّاً، ممقوتاً ومرفوضاً لمجرّد أنّها امرأة. ولمّا وعت المرأة قدرتها على صياغة النّصّ الإبداعيّ كتبت عن الجسد/ جسدها، وعبّرت بحرّيّة رغم كلّ الانتقادات والاتّهامات الموجّهة إليها.
ينبغي أن نعلم أنّ الجسد جزء لا يتجزّأ من الكيان الإنسانيّ، بل هو الحقيقة الّتي منها ننطلق لنبلغ عمق كياننا. وهو قيمة مقدّسة تحتاج إلى فكر حرّ ونقاء قلبيّ وصدق مع الذّات لإبراز جماليّاتها. والكتابة عن الجسد لا تقلّ قيمة عن سواها من المواضيع والهواجس الممكن معالجتها. ولئن كان الجسد قيمة، فلا بدّ من الانعتاق من الفكر القائل بدونيّته واحتقاره واعتباره سلعة توفي الرّغبة حقّها وحسب.
 وإذا كانت المرأة تودّ إحداث صدمة للمجتمع من خلال سلطة الجسد في نصوصها،  فهي أوّلاً تحدّد مكانها من هذا العالم، وتعترف بإنسانيّتها قبل أنثويّتها، وتخرج عن سيطرة الرّجل المحتكر للحقوق الإبداعيّة. وثانيّاً  تصيب هدف الكتابة وفحواها، فما نفع الكتابة إن لم تكن حجراً يُرمى في المياه الرّاكدة ليحرّكها؟ وما هي أهميّة الكتابة إن لم تبحث عن معالجة الهواجس والسّماح بالتّعبير عنها في سبيل بلوغ الحرّيّة؟
قد نقرأ بعض النّصوص لكاتبات عربيّات بُنيت على  تراكمات نفسيّة وكبت تملّك من النّفس لسنين طويلة إلّا أنّه بالمقابل، ثمّة نصوص إبداعيّة كثيرة دلّت على المرأة المكتملة بحرّيتها فكريّاً وروحيّاً.

سلطة الجسد في النّصوص النّسويّة، إن جاز التّعبير، ما هو إلّا إدراك واعٍ للجسد القيمة، وصوغ للجمال الإنسانيّ، وتبيان حرّيّة المرأة الفكريّة والنّفسيّة والرّوحيّة.   

http://www.intelligentsia.tn/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D9%88-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B3%D8%AF/

الشّعر العربي و التّثمين :من الكتابة بماء الذّهب الى “لايكات “مارك زوكربيرغ

مادونا عسكر/لبنان

تقييم الشّعر مركزه القلب والرّوح ومقياس الإعجاب لا يتحدّد بعدد النّقرات أو التّعليقات : 

الشّعر عالم حرّ بكلّ ما تحمل هذه العبارة من معنى. وكما أنّ الحرّيّة مسيرة وليست محطّة، فلا بدّ من أنّ الشّعر مسيرة تصاعديّة ترتقي أبداً إلى فوق حيث عوالم الجمال. والشّاعر نجم في هذا العالم، ومكانته قيمة إنسانيّة تدفع بالقارئ للارتقاء نحوه، حتّى يبلغ معه وفيه القيمة الجماليّة في الإنسان. وبقدر ما يسمو الشّاعر بشعره يرتقي بالشّعر والقارئ معاً.يعي الإنسان في داخله قيمة الشّعر إذ إنّ هذا الأخير يوقظ في الأعماق الإنسانيّة مواطن الجمال والحبّ والفرح والدّهشة. ولئن كنّا نتحدّث عن عوالم مجرّدة ومتفلّتة من المحسوسات الضّيّقة وجب أن نعيَ كذلك قيمة الشّاعر الّذي يسعى جاهداً لتلمّس هذه العوالم. والحديث ليس عن “شاعر” بل عن “الشّاعر”، أي ذاك الّذي يصوغ الجمال ناقلاً إيّاه من اللّغة إلى الصّورة. فتستحيل القصيدة لوحة ناطقة، أو تحفة فنّيّة تُحدّث العالم بألوانٍ متعدّدة غير تلك الّتي اعتدنا عليها.يرتبط الشّاعر بالقارئ ارتباطاً وثيقاً، لأنّه يدفع بذاته باتّجاهه، ويبحث عنه وعن محبّته في تفاعل، إيجابيّاً كان أو سلبيّاً ليبلّغه طعم القصيدة ومذاقها في قلبه. ولا يمكن للشّاعر أن يكتفي بذاته ويكتب لنفسه ويبقى أسير الحدود الذّاتيّة، بل ينبغي أن يجتهد في مسيرة انطلاق وبحث دائمين عن القارئ. فيتشاركان معاً لحظات التّعبير عن النّفس، ولحظات التّفاعل الرّوحيّ. بالتّالي فللقارئ أهمّيّة كبيرة في عينيّ الشّاعر، منه يستمدّ استمراريّته، وبه يغتني، وينقاد نحو الجمال.إلّا أنّه في ظلّ التّطوّر الإلكترونيّ الهائل، وازدحام النّصوص، وتهافت الكثيرين على صياغة الشّعر بغض النّظر إن كانت نصوصهم صالحة للنّشر أم لا، انخرط الشّاعر في هذه الأجواء. ولا بدّ من أنّه وجد مكاناً في هذا العالم الرّحب، ليثبت نفسه ويلتقي بقارئه. ومن الحسن أن نقول إنّ الشّعر في زمن وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أخذ ينطبع بطابع العصر. وبات الشّاعر يبحث عن تقييم رقمي، أو تعليق مختصر يؤمّن له سعادة ما، أو انتصاراً يحقّقه بحسب عدة نقرات الإعجاب. ولم يتفطّن أنّ تقييم الشّعر مركزه القلب والرّوح ومقياس الإعجاب لا يتحدّد بعدد النّقرات أو التّعليقات.ثمّة قراء يقرأون بصمت وهدوء، وتتحرّك قلوبهم ولا يبدون إعجابهم. وآخرون يمرّون على النّصّ ويعجبون به ويثنون عليه، وبعضهم يعجبون ولا يقرأون. وبعض من روّاد وسائل التّواصل الاجتماعيّ يثنون على نصّ ما لأنّ صورة الشّاعر أو الشّاعرة أثارت إعجابهم وليس النّصّ. بدليل كمّيّة الإعجابات والتّعليقات على بضع كلمات لا دخل لها بالشّعر لا من قريب ولا من بعيد، مع أنّ كاتبتها أو كاتبها يسمّونها شعراً.عدد نقرات الإعجاب لا تنصف الشّاعر ولا تظلمه، لأنّها ليست بحدّ ذاتها تقييماً، وإن كان عدد لا بأس به من القرّاء يقرأون بمحبّة ويقدّرون النّصّ الشّعري المكتوب.
المقياس الحقيقيّ لنجاح الشّاعر ونصّه، هو عودة القارئ في كلّ مرّة إلى القصيدة الّتي باتت جزءاً منه. ما يعني أنّ هذا النّص أو ذاك باتا محفورين في نفس القارئ، ومتجذرين في أعماقه. ما سيؤكّد للشاعر متانة نصّه، وتأثيره في الذّات، واستفزازه لدهشة القارئ التي لا تنتهي.

القارئ هو الحكم الأصيل الّذي يحدّد مدى نجاح النّص أو فشله، بيد أنّ هذه النّوعيّة باتت نادرة، لكنّ حكمها يبقى ضروريّاً وصالحاً وفاعلاً. والشّاعر هو الحالم أبداً بعالم جديد، وقارئ جديد يبتني له أكواناً شعريّة ترفع روحه، وتقود إنساينّته إلى القيمة الحقيقيّة. “يحلم الشّاعر بتكوين بشريّة جديدة لا بكتابة شيء جديد فقط. الكتابة هي الجسد الجديد”( أنسي الحاج).

http://www.intelligentsia.tn/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%91%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%91%D8%AB%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D9%85/

إشراقات السَّحَر- الجزء السّادس عشر


العهد
سيكون ما سيكونْ
تهيئة للعهد الجديدِ
للوعد المنكشف المستترِ
في ثبات اللّيلِ
وموعظة النّهارْ...
تلقى أنفاسي بين يديكَ
تكتبُ ما غفل عنه الأنبياء
أهيم بقربكَ
أعتصم في روح الحرف المحيي
من لي سواكَ
رعشة حياةٍ
تبلّغ قلمي مناهل العشقِ
توقظ الرّقادَ يوم أُعلن موتي
وأحملنا إلى أرض الأحياءْ.

 ---------------

همسك النّاعم اللّطيف يبكيني
وصمتك السّائغ يبكي السّماء..
---------------





إشراقات السَّحَر- الجزء الخامس عشر


أصغِ
أسنِد روحك إلى صوتي
واصغِ
إلى مداد الكلماتِ
تنبعث من ابتسامةٍ رسمْتَها الآنْ
على ثغر الكلمة
تجمع بعضك في كلّي
وكلّي في بعضكَ...
ملء الأزمنة صوت ينادي ويصمتُ
وملء الرّوح كلمة
تقولنا فتتجسّد...
---------------
انبثاق
أسكن في وعيكَ
في ضمير الأنا الحيّ
جمال يرهق القلب حدّ التماع الجرح
ونزف المحبّة...
تألّمْ كثيراً
تنلْ عريَ القوافي
وانتشاء القصيدة
تألّمْ أكثر
تتهاوَ على مشارف السّماء
تحصد بواكير الوحي
أوّل البدء
مستهلّ النّور...
----------------
توق

أراني
وتراكَ
ما نفع النّظرْ
جدائل الحبّ تلتفُّ حول الغروبِ
فارْنُ
إلى الشّرقِ
وارتوِ...
مُدَّ خيوطاً حكتها من أجلي
أُنصتُ
إلى صوتِ السّكونِ
وأرتوي...
لقاؤنا عناق كلمةٍ
احتجبت في زهرةٍ
تتوق إلى موسم القطافِ...
---------------

ذوات (3)


استنارةٌ
تدفّقت من رؤاه
أومأَت للخفق أن
"انْمُ"
جَمَعَ بيديْه حبيبات نُهاه
وفي روحي
نفخَ سِرّ الوجود.
---------------

يداك المسمّرتانِ 
على قلبي
تلاطفان توقاً يقتاتُ 
من ضياء الخبزِ
وسلام الخمرِ
فاسقنا
من طرفك دمعةً
ننهل من قبلتها
ولا نرتوي.
---------------

في أناه ضاعت صلاتي
عطراً
مشى على هدب الزّهر
فانحنى
يلملم من كنف السّماء
رؤىً
تجمّل أسفار الزّيت في سراجي
--------------

... ومتى أتممتَ صقل حروفي
وانحدرت إلى ذرى السّماء السّابعة
ارتفع إلى أرضي
بُثَّ فيها قطرة من أنفاسكَ
واحصدِ الصّمتَ
حبّةً حبّة
السّماء الثّامنة في الأفق تغنّي
عصافيرها تشتاق الارتحال.
--------------



ﺍﺭﺗﺸﻒ ﺍﻟﺪّﻫﺸﺔ
ﻭﺍﺳﺘﻌﺮ
ﺗﻤﺎﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﺼﻦٍ
ﺳﻠﻚ ﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﺮّﻳﺢْ
ﻟﻲ ﻓﻴﻚ ﺇﺭﺙ ﺳﻤﺎﻭﻱّ
ﻳﻮﺍﻋﺪ ﺧﻄﻮﺓ ﺍﻧﺒﻌﺎﺙ ﺍﻟﺰّﻫﺮ
ﻣﻮﺕ ﻳﺬﺭﻱ ﺍﻟرّﻣﺎﺩَ
ﻓﻲ ﻋﻴﻮﻥ ﺍﻟﻮﺭﻯ
ﻭﻣﻮﺕ ﻓﻲ ﺿﻤﻴﺮﻱ
ﻳﺴﺎﻣﺮ ﺍﻟﻨّﻮﺭ ﺍﻟﻤﺘﺪﻟّﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚَ
ﺍﺭﺗﺸﻒ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ
ﺗﻮﺳّﺪ ﺣضن ﻧﺠﻢٍ
ﺗﻔﻠّﺖ ﻣﻦ ﻭﻫﺞ ﻣﺎﻛﺮٍ
ﻭﺍﻟﻖِ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻤﻌﻲ
ﺭﺅﻯ
ﺣﺠﺒﻬﺎ ﺍلله ﻋﻦ ﺃﻋﻴﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮْ
---------------

هيّئ مكاناً للموج...
تراءى لي عند انتحار النّهارِ
ليلاً يطوّق سواعد الياسمينْ
ذبت أنتَ
في سلام الأغنية
كبرت أنا ألف عامٍ ونيّف
هكذا كان الوعد
أنا- أنت 
صورة إلهٍ
ترث الطّوبى فتملك على الأرض. 
---------------

الحبّ
لحظة هيام إلهيّ
اعتصار قلب السّماء
في تيه الخفقات
دمعة ظمأ
تهوي
في برّية الحلم
تفجّر رذاذ البسمات
---------------
اجعلني ثقباً في قلبكَ
سمة عشقٍ
ينزف طيب الخفقاتِ
يستحيل الدّمُ
دفق حبٍّ
يضخّ الحياة في الوريدِ
حتّى وإن
تفلّت النّفَسُ
يوم تومض السّاعة
موعد الرّحيل.
---------------


هذه الأنا المتّشحة بكَ
لو تلاشى نبضها
في سلام الأزرق الشّاسع
وتفتّتَ نُهاها
في لهوِ الأمواج
لاستيقظت عند بابكَ
حاملة قلبها
المتواضع
تروي لغفوكَ حكايا الأطفال
ونعيم الملائكة...
كلّما ثمل الشّوقُ
وارتجف الدّمع على ثغركَ
ها هي أنايَ
 تسابيح مذودٍ
أهيّئه لكَ...
---------------


في أروقة نار الأبد
نمت زنابق مبلّلة بالوحي
طاولت لهيباً
يصّاعد في الماء...
بين الوهج والنّضارة
تسكن عيناك
طراوة طرف روتْ ظمأ أبدي...
---------------

نظرَ إلى فوق
معانقاً السّحاب
ثمّ انحنى
وقطفَ من كرمها عنقوداً أخضرَ
تناهى إلى سمعه
ضمّة عطرٍ
أطفأَ مصابيح العالم
أضاءتْ نجمة في السّماء.
---------------
تبخَّرْ... تبخَّرْ
فيض من سنا
يخطف ما هدم الوجع
يواري عصف الرّيح
في بحيرة النّار
سنونوات تنبعث من شعاع
التفّ حول عنق الشّمس
واعد حبّة ملح
أحيا آخر أنفاس البحر
تبخَّرْ... تبخَّرْ
حتّى لا يبقى من الشّذا إلّا
قطرة تتأرجح بين الأرض والسّماء
حتّى لا يبقى من العشق
إلّا حرف يعزّي وَلَه اللّغة
---------------

خصلة من أنفاسي تترنّح في ثغركَ
تحثّ اللّفظ الأخيرْ
تحفر في الذّاكرة مجيئاً قادماً
نغمة واحدة تكفي
ليغرّد بعض منّي في كلّكَ
بعض منك يكفي
ليحلّق الحبّ وحيداً...

----------------