الأربعاء، 8 فبراير 2017

لسنا بحاجة للبحث عن الشباب الضائع من جديد


مادونا عسكر/لبنان
فيا ليت الشّباب يعود يوماً
 
لأخبره بما فعل المشيب
  
كم من مرّة نردّد هذا البيت لأبي العتاهية، بشكله ومضمونه، وكم من مرّة يحرقنا ألم الشّيب وهو يتذكّر جمال الشّباب، بحيويّته ونشاطه. وكم من مرّة يتمنّى الإنسان لو أنّ الأيّام تعود به إلى الوراء ليصنع حياته كما يرجو أن تكون.
والشّيب ليس بالضّرورة دلالة على الشّيخوخة، وإنّما يمكن أن يُرمز به إلى النّضج والإدراك من خلال التّجارب الإنسانيّة الّتي مرّ بها الإنسان وصقلت شخصه. ولا يصل إلى النّضج المطلوب إلّا من عانى وقاسى، وتحمّل آلاماً وأوجاعاً جمّة. ولعلّ قسوة الحياة هي العامل الأساس في تكوين الإدراك الإنسانيّ. فالإنسان إذا ما عاش على هامش الحياة دون التّمرّس في صعوباتها ومشقّاتها ظلّ أسير السّطحيّة والهشاشة.
غالباً ما يكون الإنسان غير راضٍ عن حياته وإن أظهر العكس، فقلّة  قليلة تقنع بما لديها. كما أنّه يطمع دائماً بالأكثر والأفضل ويقارن بين ما يملك هو وبين ما يتمتّع به سواه، أو بين ما وصل إليه وبين ما أصبح عليه آخرون.
إنّ عدم الرّضى عن الذّات يشكّل عائقاً أمام استمراريّة الإنسان، ويسجنه داخل جحيم النّقمة والضّيق، لكثرة ما يتساءل عن الأسباب، ولأنّه يبحث عن مسؤول عمّا هو عليه. وهذا لا ينطبق فقط عن من هم حقّاً يعيشون مأساة حقيقيّة وإنّما قد نرى أشخاصاً يواجهون مشاكل بسيطة، ولكنّهم يتفاعلون معها بضعف واضطراب فتغدو بالنّسبة إليهم مصاعب عقيمة، وهذا يعود لأسباب عدّة منها، عدم التّشبّع من العاطفة الوالديّة، وعدم التّربية على الاستقلاليّة والثّقة بالنّفس. فالعاطفة الوالديّة هي حجر الأساس في بناء شخصيّة الإنسان، وهي المؤثّر الأوّل في نموّه الرّوحيّ والنّفسيّ، ومن خلالها يحدّد قيمته الشّخصيّة، ويحبّها. أمّا التّربية على الاستقلاليّة فهي سلاح قويّ يواجه به الصّعوبات بثقة عالية بالنّفس، ممّا يمكّنه باكتساب خبرة فكريّة وروحيّة يتكوّن من خلالها نضجه وإدراكه.
أمّا الرّضى عن الذّات فهو القناعة بأنّ ما نحن عليه جيّد ولكنّنا نطمح إلى تحسينه، وليس الرّضى هو الاكتفاء النّهائيّ، وإنّما هو الانطلاق من الواقع للبحث عن  سبل أفضل لتحسين ما يمكن تحسينه، من هنا القول بأنّ "القناعة كنز لا يفنى". قد يعتقد البعض أنّ القناعة هي الاستسلام للواقع والرّضوخ له، دون أي محاولة للتّغيير، مع أنّ العكس هو الصّحيح تماماً، وذلك لأنّه وإن رضينا بواقعنا، تبيّنا مساوِئَه وحسناته، فنسعى بحسب قدراتنا المتفاوتة وإمكانيّاتنا المختلفة إلى أهداف أجدى وأنفع.
-هل أنا راضٍ عن نفسي وهل تمنحني ولادة جديدة فرصاً أفضل لأحقّق ما أصبو إليه؟
الجواب هنا مرتبط بنقطتين: الأولى، الصّدق مع الذّات، والثّانية، القدرة على استيعاب مآسي الحياة دون الإحساس بالذّنب ودون الإلقاء بالمسؤوليّة على أحد.
-الصّدق مع الذّات:
الصّدق مع الّذات هو أن نعلم حسناتنا من سيّئاتنا ونحاول قدر الإمكان رفع الحسنات والتّخلص من السّيّئات. كما هو أن ننظر إلى فعل السّيّئات في حياتنا وتحمّل مسؤوليّة بعض الاختيارات الحرّة الّتي أخفقنا فيها، إمّا لخبرتنا غير الكافية، إمّا لتشبّثنا برأي معيّن دون الاقتناع بنصيحة أو رأي أكثر وعياً وحكمة. وبفعل هذا التأمل العميق في الذّات، نستوعب المشاكل والصّعوبات الّتي مرْرنا بها، والّتي أدّت إلى حال معيّنة، فنتقبلها ببساطة على أن نطوي صفحة من كتاب حياتنا لنفتح صفحة جديدة نخطّ عليها أهدافاً جديدة، تمنحنا بعضاً من السّعادة.
-القدرة على استيعاب مآسي الحياة دون الإحساس بالذّنب ودون الإلقاء بالمسؤوليّة على أحد.
إن المآسي الّتي نمرّ بها تخضع لأسباب عدّة، فإمّا يعود ما وصلنا إليه من حال سيّئة إلى أشخاص تسبّبوا في تعاستنا، وإمّا إلى ظروف معيّنة لا حول لنا فيها ولا قوّة. ولأنّنا لا نختار ظروفنا وبعض الأشخاص المحيطين بنا بحرّية كاملة، فقد تؤثّر هذه العوامل شئنا أم أبينا على حياتنا.
من هنا وبعد أن وصلنا إلى درجة معيّنة من النّضج والإدراك، ينبغي أن نعلم أنّ كلّ من مرّوا بحياتنا، سواء أكان مرورهم بشكل إيجابيّ أم سلبيّ، كانوا سبباً في تكوين نضجنا. بالمقابل، لا يمكننا إلقاء اللّوم على أحد بشكل جذريّ، لأنّ الحياة سلسلة خسارات ونجاحات، ومجموعة اختبارات تساهم في وجعنا جميعاً. بالطّبع لا يخلو الأمر من مسؤوليّة تلقى على عاتق أحدهم ولكن الملامة لا تنفع، ما ينفع حقّاً هو التّطلّع إلى الأمام بثقة ومحاولة عيش الحياة بأكبر قدر من الفرح والسّعادة.
كما أنّنا قد نشعر بالذّنب لعدم إتقاننا اقتناص الفرص، أو اختيار ما يتاسب حياتنا، إلّا أنّ الشّعور بالذّنب يعيق أحلامنا وطموحاتنا ويقلّص من قدرتنا على المضي في تحقيق أهدافنا، وبالتّالي نقضي حياتنا في دوّامة اللّوم، والإحساس بالذّنب.
وللتّمكن من استيعاب مآسي الحياة وعدم الإحساس بالذّنب، ينبغي أن ننظر إلى شخصنا كقيمة إنسانيّة تستحقّ التّقدير والاحترام. فننظر إلى أيّام خلت كنّا فيها ما دون النّضج المطلوب، لنرنو إلى أيّام آتية نحيي فيها أحلاماً صبونا إليها فنسعى لتحقيقها، حتّى ولو بقي من عمرنا يوماً واحداً.
لنرضَ عن حياتنا مهما كانت النّتائج، ولنبحث فيها عن الإيجابيّات فلا بدّ أنّ نجدها، ولنعطي أهمّيّة لإنجازاتنا مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ولنجعل الشّيب شباباً متجدّداً نحقّق من خلاله ما قد نقص في شبابنا.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق