الأربعاء، 8 فبراير 2017

مقدّمة ( رسائل الى شهرزاد)


يرحل الزّمان بشخصيّات لاذ لنا ترقّب سرد حكاياتها ثمّ يعود ويبعثها في أسطر تكاد تكون أشبه بلوحات رُسمت بألوان البوح ورُصّعت بلآلئ المناجاة.
هي سطور ترسم شهرزاد وشهرياد بلون أدبيّ مختلف، بل ابتكر الكاتب من خلالهما نوعاً أدبيّاً جديداً، ولعلّنا يمكن تحديده بأدب المناجاة. والجدير بالذّكر أنّه حينما سنطّلع على هذه النّصوص سوف نشهد شهرزاداً جديدة وشهرياراً متجدّداً.
ولمّا كان النّوع الأدبيّ مختلفاً وجديداً، وجب قراءة هاتين الشّخصيّتين بذهنيّة مختلفة عن تلك الّتي عهدناها في حكايات ألف ليلة وليلة، عن شهريار الملك  الذي تعوّد أن يتزوج عذراء كلّ ليلة ثم يقتلها لمعاقبة بنات حواء جزاء خيانة زوجته الّتي أحبّها. كذلك عن شهرزاد الجارية الّتي كانت تروي لشهريار الملك حكايات مسلسلة حتّى ينتهي اللّيل ولا ترويها إلا على أجزاء حتّى تضمن عدم قتلها.
لعلّ الكاتب فراس الحج محمد ابتكر هذا النّوع الأدبي الجديد ليرفع شهريار وشهرزاد من مستوى الإنسانيّة المستعبدة بالغرائز والشّهوات إلى مستوى الإنسانيّة الحرّة المرتقية والمترفّعة عن الأنانيّة. فرفع شهرزاده إلى مستوى المرأة كما سما بشهريار إلى مستوى الرّجل وأبعد عنه ذكوريّته. وبدّل الأدوار بينهما إذ أصبح شهريار هو المتحدّث وشهرزاد الرّوح المصغية لبوحه.

يتوجّه الكاتب إلى شهرزاده بسلسلة رسائل يبوح فيها بما يخالج روحه وقلبه وكأنّ به يلعب دور شهريار الملك، إذ تحضر روح الكاتب بقوّة في الرّسائل.  ويستخدم البوح المباشر بصيغة المخاطب ما عدا رسالة واحدة يستعمل فيها صيغة الغائب. وهنا شهريار يبوح ولا يروي، إذ ليس ما نقرأه في هذه السّطور الإبداعيّة تأليفاً، وإنّما انسياب للغة خاصّة لا تفهمها إلّا الرّوح المصغية. وإن توجّه شهريار إلى شهرزاد بصيغة المخاطب فلأنّه يدرك تماماً أنّها تصغي له وينتظر منها الرّدّ المباشر.
يتدرّج الكاتب في رسائله، فينطلق البوح من بحث عن الذّات في روح شهرزاد إلى اكتشاف أصول الحبّ المترفّع والمتسامي من خلال مسيرة شخصيّة يتأمّل فيها هذا الحبّ، ليصل إلى الذّروة في الرّسالة ما قبل الأخيرة حيث تتجلّى شهرزاد كوناً بكامله، يرى من خلالها كلّ بلاد الله. 
ترافق شهرزاد شهريار كظلّه، في رحلة اكتشافه وفي مسيرة حبّه، ونلاحظ هذا في سرد الكاتب لمشاعر تلقائيّة، وفي تعبيراته عن فرحه وحزنه، عن قلقه واطمئنانه، وكأنّ شهريار يمسك بيد شهرزاد ويجول بها في عالم الإنسانيّة ويشكو لها همومه، ويطرح تساؤلاته، ويعبّر عن هواجسه.


ولم يتردّد الكاتب في الرّسالة الأخيرة بالتّعبير عن ألمه باللّهجة العامّيّة، فيبوح لشهرزاده بلهجته الخاصّة دون اصطناع أو تكلّف وكأنّي به يتّحد بصمتها المتكلّم، فيفيض القلم بألم يأمل بأن تزهر براعم رحلته أثمار حبّ نديّة تشبع شوق شهريار وتروي ظمأ نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق