الخميس، 2 فبراير 2017

الإيزيديّون بشر مثلنا

مادونا عسكر/ لبنان

لم يتعدَّ خبر حرق تسع عشرة إيزيديّة سطوراً قليلة في الصّحف وشاشات التّلفزة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ. وبين تضارب الأخبار بين الصّحة والنّفي، لا بدّ أن نؤكّد أن لا شيء يستعصى على جماعات تدّعي التّطهير والإصلاح بحجّة الولاء لله. سيّما أنّه من الممكن أن يكون الخبر صحيحاً، فما يحصل من جرائم وحشيّة وهمجيّة بحقّ الإنسان لا يقلّ عن ذلك. ولا يصلنا إلّا نصف الحقيقة أو حتّى ربعها، وما خفي كان أعظم. وما يشهده الإيزيديّون وغيرهم اليوم من اضّطهاد يستدعي اعتراض الضّمير على هذه الوحشيّة خاصّة من مدّعي التّسامح الدّيني.
التّسامح الدّينيّ كذبة كبيرة يتلطّى خلفها أصحاب الشّعارات لتبرير عنصريّتهم، ودعوة فاشلة لطمس الحقائق وعدم الوقوف بجديّة وجرأة أمام هذا الكائن الوحشيّ المجنّد للقتل والنّهب والاغتصاب بإشارة إلهيّة. يقول غاندي: "إنّ التّسامح الدّينيّ لا يكفي، بل حريّ بالإنسان أن يتخطّاه إلى الدّفاع عن دين الآخر كأنّه دينه الشّخصيّ". ولئن اعتبرَ وجود ديانات سماويّة ثلاث هو الأساس، تمّ إقصاء الآخر الخارج عن إطارها، ليحرم من إيمانه، وإنسانيّته. والكلام عن ثلاث ديانات سماويّة لأشدّ عنصريّة  لأنّه يقصي الآخر قطعاً، ويجعله في إطار لا إنسانيّ، مُخرجاً إيّاه من الوجوديّة الإنسانيّة.
الدّيانات السّماويّة تعريف محض بشريّ، لأنّ الدّين هو الدّين كمنظومة اجتماعيّة انغلقت على ذاتها خوفاً من الآخر، وتشبّثت بتقاليد وموروثات وإن تسببّت بعدم انفتاحها، لتحافظ على مكانتها الدّينيّة السّلطويّة. ليس من دين سماويّ وآخر غير سماويّ، بل ثمّة  اختبار إنسانيّ مع الله يتفاوت بين الجماعات. منهم من تخطّى المرئيّ إلى اللّامرئيّ، ومنهم من بقي عند حدود المنظور والملموس. وأيّاً كانت الانتماءات والاعتقادات، وجب احترام الإنسانيّة كجوهر بغضّ النّظر عن أيّ عقيدة مهما بلغت من حقيقة.  
لسنا بصدد إلقاء الشّعر وتنميق الكلام ونحن نتحدّث عن احترام الكيان الإنسانيّ، بل هي دعوة جدّيّة للمتديّنين أوّلاً ليتّخذوا موقفاً حازماً من هذه الجرائم، وينفتحوا على الضّمير الحيّ، ويتجرّأوا على نقد أيّ نصّ كتابيّ يدعو لإقصاء الآخر وتكفيره. بل هي دعوة للتّخلي عن مقدّسات زائفة، وموروثات فانية، وتقاليد بالية، وشروحات معقّدة تبرّر الوحشيّة أكثر ممّا توقظ الحسّ الإنسانيّ.
الإنسانيّة تسير نحو الحقيقة باحثة عنها باختلاف الطّرق والمفاهيم. البعض يتلمّسها والبعض الآخر ما زال يبحث، والأغلبيّة تحتكرها. فإلى هذه الأغلبيّة نقول إنّ الله لا يحابي الوجوه ولا ينظر إلّا إلى القلب. وحده القادر على إثبات ذاته غير معوزٍ لزمرة مأجورة لا تفقه من الإيمان شيئاً، ولا ترى من الله إلّا اسمه.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق