السبت، 18 فبراير 2017

الشّعر العربي و التّثمين :من الكتابة بماء الذّهب الى “لايكات “مارك زوكربيرغ

مادونا عسكر/لبنان

تقييم الشّعر مركزه القلب والرّوح ومقياس الإعجاب لا يتحدّد بعدد النّقرات أو التّعليقات : 

الشّعر عالم حرّ بكلّ ما تحمل هذه العبارة من معنى. وكما أنّ الحرّيّة مسيرة وليست محطّة، فلا بدّ من أنّ الشّعر مسيرة تصاعديّة ترتقي أبداً إلى فوق حيث عوالم الجمال. والشّاعر نجم في هذا العالم، ومكانته قيمة إنسانيّة تدفع بالقارئ للارتقاء نحوه، حتّى يبلغ معه وفيه القيمة الجماليّة في الإنسان. وبقدر ما يسمو الشّاعر بشعره يرتقي بالشّعر والقارئ معاً.يعي الإنسان في داخله قيمة الشّعر إذ إنّ هذا الأخير يوقظ في الأعماق الإنسانيّة مواطن الجمال والحبّ والفرح والدّهشة. ولئن كنّا نتحدّث عن عوالم مجرّدة ومتفلّتة من المحسوسات الضّيّقة وجب أن نعيَ كذلك قيمة الشّاعر الّذي يسعى جاهداً لتلمّس هذه العوالم. والحديث ليس عن “شاعر” بل عن “الشّاعر”، أي ذاك الّذي يصوغ الجمال ناقلاً إيّاه من اللّغة إلى الصّورة. فتستحيل القصيدة لوحة ناطقة، أو تحفة فنّيّة تُحدّث العالم بألوانٍ متعدّدة غير تلك الّتي اعتدنا عليها.يرتبط الشّاعر بالقارئ ارتباطاً وثيقاً، لأنّه يدفع بذاته باتّجاهه، ويبحث عنه وعن محبّته في تفاعل، إيجابيّاً كان أو سلبيّاً ليبلّغه طعم القصيدة ومذاقها في قلبه. ولا يمكن للشّاعر أن يكتفي بذاته ويكتب لنفسه ويبقى أسير الحدود الذّاتيّة، بل ينبغي أن يجتهد في مسيرة انطلاق وبحث دائمين عن القارئ. فيتشاركان معاً لحظات التّعبير عن النّفس، ولحظات التّفاعل الرّوحيّ. بالتّالي فللقارئ أهمّيّة كبيرة في عينيّ الشّاعر، منه يستمدّ استمراريّته، وبه يغتني، وينقاد نحو الجمال.إلّا أنّه في ظلّ التّطوّر الإلكترونيّ الهائل، وازدحام النّصوص، وتهافت الكثيرين على صياغة الشّعر بغض النّظر إن كانت نصوصهم صالحة للنّشر أم لا، انخرط الشّاعر في هذه الأجواء. ولا بدّ من أنّه وجد مكاناً في هذا العالم الرّحب، ليثبت نفسه ويلتقي بقارئه. ومن الحسن أن نقول إنّ الشّعر في زمن وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أخذ ينطبع بطابع العصر. وبات الشّاعر يبحث عن تقييم رقمي، أو تعليق مختصر يؤمّن له سعادة ما، أو انتصاراً يحقّقه بحسب عدة نقرات الإعجاب. ولم يتفطّن أنّ تقييم الشّعر مركزه القلب والرّوح ومقياس الإعجاب لا يتحدّد بعدد النّقرات أو التّعليقات.ثمّة قراء يقرأون بصمت وهدوء، وتتحرّك قلوبهم ولا يبدون إعجابهم. وآخرون يمرّون على النّصّ ويعجبون به ويثنون عليه، وبعضهم يعجبون ولا يقرأون. وبعض من روّاد وسائل التّواصل الاجتماعيّ يثنون على نصّ ما لأنّ صورة الشّاعر أو الشّاعرة أثارت إعجابهم وليس النّصّ. بدليل كمّيّة الإعجابات والتّعليقات على بضع كلمات لا دخل لها بالشّعر لا من قريب ولا من بعيد، مع أنّ كاتبتها أو كاتبها يسمّونها شعراً.عدد نقرات الإعجاب لا تنصف الشّاعر ولا تظلمه، لأنّها ليست بحدّ ذاتها تقييماً، وإن كان عدد لا بأس به من القرّاء يقرأون بمحبّة ويقدّرون النّصّ الشّعري المكتوب.
المقياس الحقيقيّ لنجاح الشّاعر ونصّه، هو عودة القارئ في كلّ مرّة إلى القصيدة الّتي باتت جزءاً منه. ما يعني أنّ هذا النّص أو ذاك باتا محفورين في نفس القارئ، ومتجذرين في أعماقه. ما سيؤكّد للشاعر متانة نصّه، وتأثيره في الذّات، واستفزازه لدهشة القارئ التي لا تنتهي.

القارئ هو الحكم الأصيل الّذي يحدّد مدى نجاح النّص أو فشله، بيد أنّ هذه النّوعيّة باتت نادرة، لكنّ حكمها يبقى ضروريّاً وصالحاً وفاعلاً. والشّاعر هو الحالم أبداً بعالم جديد، وقارئ جديد يبتني له أكواناً شعريّة ترفع روحه، وتقود إنساينّته إلى القيمة الحقيقيّة. “يحلم الشّاعر بتكوين بشريّة جديدة لا بكتابة شيء جديد فقط. الكتابة هي الجسد الجديد”( أنسي الحاج).

http://www.intelligentsia.tn/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%91%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%91%D8%AB%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D9%85/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق